د. عيد بن مسعود الجهني
كان لخفض الأوبك سقف إنتاجها السابق ((1.8) مليون ب/ ي بالتعاون مع دول خارج الأوبك أثره على أسعار النفط، حيث تحسنت بشكل ملموس فبلغ سعر البرميل (80) دولاراً قبل أن يعود إلى التدني المحسوب.
وقد تدخلت عوامل عديد لاستمرار تحسن أسعار النفط منها ما يتعلق بالعرض والطلب الفعلي والتوقعات والمضاربات وبعض المعلومات الصحيحة والمغلوطة ومعدلات برودة الطقس، ومنها ما هو سيكيولوجي فالأسعار تتأثر بدرجة كبيرة بالحالة السيكولوجية لوسطاء النفط، إضافة إلى تأثرها بقوة بتصريحات مسؤولي النفط خاصة في الدول الرئيسية المنتجة والمصدرة، ناهيك إلتزام المنتجين خاصة أعضاء الأوبك بالخفوضات في سقف الإنتاج الذي يتفقون عليه بنسبة كبيرة وهذا ما رفع السعر عندما التزمت الأوبك والدول المتحالفة معها وفي مقدمتها روسيا والمكسيك والنرويج بالتخفيضات بنسبة وصلت ما بين 90 و100 في المئة من الخفوضات التي اتفق الجميع عليها.
وإذا كانت الأوبك والدول خارجها الذين انضموا إلى قافلتها في اجتماعهم الأخير في الثالث والعشرين من شهر يونيو الماضي قد قرروا زيادة الإنتاج مليون ب/ ي من أجل استقرار سوق النفط الدولية، وكبح جماح ارتفاع الأسعار لتصبح معقولة عند المنتجين والمستهلكين، وهذا يبدو هدفا رئيسا عند منتجي النفط الذين تعتمد مداخيل معظم دولهم في إيرادات ميزانياتها خاصة دول الخليج العربي على إيرادات النفط بنسب تبلغ مابين 85 و95 في المئة.
ومع مسيرة إستمرار ارتفاع الأسعار مع توفر أسبابها ومنها التوقعات بتدني الإنتاج الإيراني ليبلغ 1.5 مليون ب/ ي بعد أن بلغ 4.7 ملايين ب/ ي وهذا نتيجة حتمية لقرار الرئيس الأمريكي ترامب إنسحاب بلاده من الملف النووي الإيراني وفرض عقوبات مشددة على ذلك البلد، ناهيك عن التراجعات في الإنتاج في فنزويلا صاحبة الاحتياطي أكثر من (300) مليار برميل وكذلك في ليبيا ونيجيريا كل تلك الأسباب كفيلة بترجيح كفة إرتفاع الأسعار.
لكن على الجانب الآخر فإن الولايات المتحدة التي أصبحت اليوم أحد الدول الرئيسة في إنتاج النفط بل وتصديره إذ تتساوى تقريبا في الإنتاج مع كل من السعودية وروسيا، إلا أن الرئيس ترامب أبدى تضجره من الزيادة في الإنتاج التي قررتها الأوبك والدول خارجها، وطالب بزيادة الإنتاج مليوني ب/ ي.
وإذا كان من حق الرجل أن يطالب ويكرر المطالبة، فإن للأوبك سياسات تحكمها في زيادة الإنتاج وينطبق ذلك على الدول التي قبلت ركوب سفينة الأوبك، وبذا فان زيادة الإنتاج أو خفضه له مسبباته وآلياته ضمن معادلة معروفة في تاريخ الأوبك.
لكن على الجانب الآخر أيضاً فإن المنتجين لسلعة النفط في مقدمة اهتماماتهم خلق سوق نفطية مستقرة يخرج من رحمها أسعار عادلة مستقرة فليس من مصلحتهم أن يرتفع سعر النفط ليبلغ الثريا كما حدث قبل أزمة الكساد الاقتصادي العالمية التي هبت رياحها من على أرض بلاد العم سام عام 2008م لينحدر سعر برميل النفط إلى 33 دولاراً بعد أن كسر حاجز 147 دولاراً للبرميل، لتبدأ الأوبك مسيرة كفاح طويلة ليبلغ سعر النفط عند كتابة أسطر هذا المقال مابين 75 و80 دولاراً للبرميل.
اليوم الأوبك والحلف المتعاون معها أصبحوا قوة نفطية تحسب حسابها الدول الصناعية المستهلك الرئيس للنفط التي تمثلها وكالة الطاقة الدولية التي تأسست عام 1974 بمبادرة من كيسنجر مهندس السياسة الأمريكية في تلك الفترة من التاريخ على أثر هزة الأسعار الأولى، هذه الوكالة ذائعة الصيت تقدر أن نمو الطلب على النفط هذا العام يبلغ (1.4) مليون ب/ ي، وهذا يعني أن الزيادة التي أقرتها الأوبك وشركاتها مليون ب/ ي أقل من الطلب في السوق الدولية.
والذي يتابع تحركات الأوبك وشركائها منذ العام الماضي يدرك أن قرارها الأخير بزيادة إنتاجها يبرز السياسة الرصينة التي رسمت ففيها إرضاء لكل اللاعبين في السوق خاصة الأوبك والمتعاونين معها والدولة المستهلة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الأسباب السابقة التي ذكرناها بإيجاز التي تعتبر محوراً رئيساً لارتفاع الأسعار خاصة في حالة عدم اليقين التي تشهدها صادرات النفط الإيراني وتدني الإنتاج في كل من فنزويلا وليبيا وغيرها، وحالة العطش النفطي التي جعلت الرئيس الأمريكي السيد ترامب يطالب الأوبك بزيادة الإنتاج، فان تلك العوامل ومعها إنخفاض مستوى المخزونات مجتمعة تجعل السوق النفطية تتحول من حالة الاستقرار التي شهدتها طوال العام الماضي وهذا العام، إلى حالة من عدم الاستقرار الأمر الذي ينذر بتحديات تواجه السوق تجعل الجميع الدول المنتجة والمستهلكة يشمرون عن سواعدهم لحوار بناء ينتشل السوق من حالة عدم اليقين إلى انفراج يجعل سوق النفط الدولية مستقرة لمصلحة الجميع.
أما التهديدات الإيرانية بشأن مضيق هرمز وتصدي الإدارة الأمريكية لتلك التهديدات، فهذه ليست جديدة فملالي طهران أخذوا على عاتقهم تكرار تلك التهديدات كلما وجدوا أنهم في أزمة خانقة، وطبقاً للقانون الدولي وقانون البحار والمضايق والقنوات المائية فلكل دول العالم المرور السلمي، وطهران تعلم ذلك يقيناً، وهي التي تحتل جزر دولة الإمارات العربية المتحدة التي تشرف هي الأخرى على المضيق.
ورغم أن الأوبك وأعضاء حلفها قد يزيدون الإنتاج ليبلغ (1.5) مليون ب/ ي هذا العام ليصبح أقل من التخفيض السابق (1.8) مليون ب/ ي بـ (300) ألف ب/ ي، فان الأسعار يبدو أنها في مسيرتها المستمرة إلى أعلى إذا بقي حال الأسباب التي ذكرنا بعضها على حالها مالم يحدث تغيير مفاجىء في معادلة الأسباب.
وأخيراً لقد كنت ولا أزال عند رأيي المتواضع خلال السنوات الأربع الماضية منذ 2014 وملخصه أن أسعار النفط ستشهد تحولا مستمراً في أسعارها، وأن الطلب العالمي على النفط هو الآخر نموه مقبولا فهو عند (98) مليون ب/ ي وسيزيد.
وأنا مع المتفائلين دائماً بأن سلعة النفط هي أهم وأغلى سلعة عرفها التاريخ الإنساني وستبقى في هذا القرن المليء بالأحداث الجسام وسعر برميل النفط إذا بقيت أسباب سعره على حالها، فان بلوغ سعر برميل النفط الخام الـ (100) دولار للبرميل ليس صعب المنال وهذا في رأينا ليس في مصلحة الجميع المنتجين والمستهلكين.
ناهيك إذا لعبت طهران بالنار في مضيق هرمز الشريان المائي الدولي الهام فإنه ستكون لأسعار النفط صولات وجولات مثيرة في ارتفاع الأسعار نتمنى ألا تحدث.. والله ولي التوفيق.