فهد بن جليد
لا تمنع طفلك من الأكل، ولكن اجعله يأكل بذكاء، بترك مساحة واسعة من الخيارات الصحية أمامه، هذه المسألة تشكل اليوم أحدث التحديات الصحية والغذائية التي تواجه الآباء نتيجة صعوبات السيطرة على نظام غذائي خاص بالأطفال، حال الرغبة في إنقاص وزنهم، وتجنيبهم السُمنة وأضرارها -المسألة مُعقدة هنا- وقد تنطوي على مخاطر وآثار حرمان الصغار ممَّا يشتهون، وهو ما يُسبِّب ردة فعل عكسية غاضبة، قد تؤدي لزيادة الوزن أكثر في حال فشلت الجهود ولم تنجح المحاولة، نتيجة الرغبة القوية في العودة للأكل بشهية أكبر وخيارات غير صحية.
كنتُ أعتقد أنَّ رجيم الأطفال ثقافة لا مكان لها في مُجتمعنا، ولكنَّني تفاجأت بأنَّ هناك مُحاولات حثيثة في الكثير من البيوت من حولي لعلاج المُشكلة ومواجهتها بصرامة وجدية -حتماً ستجد حولك أيضاً مُحاولات مُمَّاثلة- وهو ما يتطلب منَّا تشجيعها ودعمها، مع ضرورة تصحيح هذه الخطوات وتقويمها لتحقق الأهداف المطلوبة، المؤلم أن تُصبح سُمنة الأطفال أمراً عادياً في نظر الأهل والأقارب، ومجالاً للتفاخر بالصحة والعافية والتغذية الحسنة، إمَّا نتيجة الجهل بخطورة الأمر وعواقبه الوخيمة على حياة الطفل، أو بسبب العجز عن المواجهة وعدم الرغبة في خوضها، نسبة الأطفال المُصابين بالسُمنة في مُجتمعنا تتراوح بين 3.5 مليون طفل و4 ملايين طفل -هناك أكثر من رقم لأكثر من دراسة- وهي أرقام مُفزعة ومُرتفعة تهدد الأطفال بالموت بأمراض العصر المُتفشية في حال استمرت سُمنتهم المُبكرة على هذا النحو دون تدخل، وهذه المُعضِّلة امتداد طبيعي لمُشكلة أكبر تخص البالغين، إذا ما علمنا أنَّ تقارير منظمة الصحة العالمية تقول إنَّ 72 % من النساء في المملكة يعانينَّ من السُمنة مُقابل 70 % من الرجال، بل إنَّ ما يُتوقع أن تُنفقه الدولة لعلاج السُمنة وأضرارها سنوياً يفوق الـ19 مليار ريال، لذا جاءت رؤية المملكة 2030 لدعم وتعزيز الاهتمام بمُكافحة السُمنة, ومن باب أولى مُواجهة سُمنة الأطفال.
لا يجب أن نضع الأكل في قفص الاتهام وحده فقط، هناك أسباب أخرى ذات علاقة مُباشرة بالسُمنة لدى الصغار، على رأسها عدم مُمَّارسة الرياضة والحركة والنشاط اليومي المطلوب من الطفل، إمَّا نتيجة عدم وجود مساحات كافية في المنزل -خصوصاً من يسكنون الشقق- أو نتيجة الانشغال الدائم بالأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية التي تحرمهم من الحركة المطلوبة، جميعنا بحاجة دائمة لتغيير نمط المعيشة وسلوكياتها من أجل البحث عن صحة أفضل، هذه أهم خطوة قبل البحث عن رجيم مُفيد للأطفال.
وعلى دروب الخير نلتقي.