يوسف المحيميد
كانت المفاجأة أن يصل منتخب كرواتيا لأول مرة إلى نهائي مونديال روسيا 2018، والمفاجأة أن يقوده مدرب الفيصلي زلاتكو بعد تدريبه الهلال، والذي اعتبره بعض صحفيي الأزرق أقل من طموح الزعيم، ولا يملك القدرة والابتكار على جعل الهلال يكسب الدوري السعودي، لكنه قاد الكروات إلى نهائي كأس العالم، ومن يدري، ربما الليلة، وبقيادة الموسيقار لوكا مودريتش، يجعل منتخب كرواتيا بطلاً وزعيمًا للعالم لأربعة أعوام قادمة.
وبعيدًا عن الكرة، والخوض في تحليل المباراة، وإمكانات لاعبي كرواتيا وفرنسا، التي ليست مجالي، دعونا نتساءل عن هذا البلد الأوروبي الشرقي الصغير، على المستوى السياسي والاقتصادي، فكلنا نعرف التاريخ السياسي الفرنسي، والآداب والفنون في فرنسا، ويكفي معلم متحف اللوفر الشهير، بل يكفي أن ننطق اسم باريس مدينة النور لنعرف ما وراءها، بينما كرواتيا لا نكاد نعرف اسم عاصمتها زغرب، فكيف بواقعها السياسي وهي الجمهورية البرلمانية الديمقراطية الصغيرة التي نالت استقلالها عام 1991 بعد حرب شرسة مع جيش يوغسلافيا الشعبي، أي أن عمرها الاستقلالي أقل من متوسط أعمار لاعبي منتخبنا الوطني المشارك في مونديال روسيا 2018. هذه الجمهورية الصغيرة وبرغم تضرر بنيتها التحتية الاقتصادية أثناء الحرب، خاصة السياحة، إلا أنها استعادت قدراتها الاقتصادية سريعًا، وأصبح قطاع الخدمات، إضافة إلى الزراعة والسياحة، أهم عناصر الاقتصاد الكرواتي، وربما كرة القدم التي منحت الفرصة للشباب الكرواتي الالتحاق بأهم الأندية الأوروبية تصبح دخلاً مهماً في الاقتصاد على المستوى الضريبي.
ولعل من المفارقات العجيبة أن تلعب على نهائي كأس العالم دولة يزيد عدد سكانها عن أربعة ملايين نسمة بقليل، وهو أقل من عدد سكان الرياض، وثلث سكان العاصمة المصرية القاهرة التي راهنت على لاعب وحيد جعلت منه بطلاً قومياً، كما يفعل العرب عادة بفعل عواطفهم، بتمجيد القائد الواحد، وكأنه يستطيع أن يصبح فريقاً لوحده، وهو ما ثبت فشله حتى مع منتخبات كبيرة وعريقة راهنت على اللاعب الواحد، كالبرازيل والأرجنتين والبرتغال وغيرها. وحتى لو خسرت كرواتيا النهائي أمام بطل متمرس كالمنتخب الفرنسي، فقد حققت إنجازًا جديدًا وهي تصل للمرة الأولى إلى النهائي، وتلفت الأنظار إلى وطن صغير، كبير بأمجاده، اسمه: كرواتيا.