د.عبدالله بن موسى الطاير
أتفكر كثيرًا في حال العرب، وهل يمكن أن يكون فيهم ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة بمعايير الغرب؟ أزعم أن هذا لن يحدث في يوم من الأيام قريب، لأن طبع العربي مختلف عن غيره في أشياء تضيق المساحة عن ذكرها وأهمها القبول بالهزيمة.
ولكن، إذا كان لا ينقاد للتعددية والتداول السلمي للسلطة فلماذا لم ينفع مع العربي الحكم المستبد؟ مما جعلنا نشهد فشل دول وسقوط أخرى، وتعثر التنمية، وازدياد الفقر وسوء المعاش. وفي المقابل يلحظ المراقب المحايد أن الدول الملكية سواء في دول الخليج أو الأردن والمغرب أكثر استقرارًا ونموًا على مستوى الإنسان والمادة. وفي ظني أن فشل المستبدين في حكم العرب مرده إلى غياب العدل بانحياز الحكام إلى مصالحهم ومن يحيط بهم وتهميش بقية الشعوب فكان الفشل مآلهم.
منذ الخلافة الراشدة، قامت الدولة على حكم الفرد ضمن ثلاثة اشتراطات هي العدل، الشورى، والمساواة. وقيل بأن العدل أساس الملك ولم يقل أحد أن الشورى أساس الملك أو أن المساواة أساس الملك. وحتى يستقيم حال الدولة في المجتمع العربي لا بد من قائد كارزمائي، قوي وحازم، يقف إلى جانبه نظام عدلي يقتص للناس من بعضهم ومن السلطة، وأن يكون هناك مساواة في تكافؤ الفرص.
من المستبدين العادلين في تاريخ العرب زياد بن أبي سفيان، المعروف بزياد بن أبيه، الذي أعلن دستوره في خطبته البتراء: (إني رأيت هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله، لين في غير ضعف وشدة في غير جبرية وعنف، وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولي والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالسقيم، حتى يلقى الرجل منكم أخاه فيقول: «انج سعد فقد هلك سعيد وتستقيم لي قناتكم»، لكنه قيّد هذا الاستبداد بواجبات تجاه الناس «أيها الناس، إنا أصبحنا لكم ساسة، وعنكم ذادة، نسوسكم بسلطان الله الذى أعطانا، ونذود عنكم بفيء الله الذى خولنا، فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا، ولكم علينا العدل».
فهمس رجل من الخوارج قائلا: «نبأنا الله بغير ما قلت؛ قال الله {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وأنت تزعم أنك تأخذ البريء بالسقيم، والمطيع بالعاصي، والمقبل بالمدبر. فسمعها زياد، فرد عليه: «إنا لا نبلغ ما نريد فيك وفي أصحابك حتى نخوض إليكم الباطل خوضا». وقيل إن رجلا قام إلى زياد في الخطبة فقال له: أيها الأمير، من أبوك؟ فقال له زياد: هذا يخبرك -وأشار إلى صاحب الشّرطة- فقدّمه فضرب عنقه. فلما بلغ ذلك معاوية قال: «ما قتله غيري، ولو أدبته على الأولى ما عاد إلى الثانية». وكان ذلك الرجل قد أخطأ في حق معاوية فتغاضى عنه، ولو أدبه في الصغيرة لما تجرأ في الكبيرة على زياد، ولبقي رأسه فوق كتفيه.
حال العرب في كل حين يستدعي أوله، ولنأخذ على نطاقات يتداولها الناس في أحاديثهم اليومية، فكم من متمسح بمظاهر الإسلام في رسمه وقوله عندما آلت إليه السلطة تحول إلى جبار في الأرض، يفصل هذا، ويقصي ذلك، يقرب من يريد ويبعد من يشاء بدون وجه حق، وفي غياب تام للعدالة. وكم من متمسح بالليبرالية أمرد المظهر طالما كتب عن الديمقراطية وحقوق الإنسان عندما تسلم المسؤولية أدار منصبه بالحديد والنار والشتم والرفس والركل والإبعاد والاضطهاد وقرب جماعته بمبرر واحد أنهم ينتمون للتيار ذاته.
العرب وإن غضب مني من غضب يحتاجون إلى مستبد عادل يسير بهم نحو الأمن والاستقرار والبناء، وبدون ذلك سيواصل بعضهم قتل بعض.
ليس عيبًا أن يكون للعرب أسلوب في الحكم مختلف عما يريده لهم الغرب الذي يحرص على تصدير منهجه في الحكم. الغرب الديمقراطي يرى أن ثقافته بما فيها الحكم هي الأصلح للبشرية، ويفرض أدواتها فرضًا، ويزيل من طريقه كل دولة لا تتبع طريقته، فهل يمكن فتح حوار معه من أجل الإنسانية واستقرارها ونمائها، بحيث أن يكون للعرب وضعهم في الحكم وللغرب ما يناسبهم؟ ربما نستطيع في يوم ما.