عثمان أبوبكر مالي
أرخى ليل المونديال سدوله، وأقفل دفاتره، وعادت أسراب (الكرويين) والرياضيين إلى أوطانهم وأماكنهم بعد شهر من التوافق الفكري، والأداء المتناغم، واللعب الجميل الأنيق، والتنافس الشريف الشرس.
مونديال روسيا يصنف من أنجح إن لم يكن أنجح مونديال شهده العالم، سواء في الأداء والمستوى والنتائج والمفاجآت، أو في التنظيم والاستضافة و(الجمال) الطاغي على كل ما ليس له أو له علاقة باللعبة والبطولة، غير (المتعة) على المستطيل الأخضر التي كانت غير، وسجل لها الغلبة.
أسهمت (عوامل) جديدة في الإثارة الكبيرة الطاغية، منها الإضافة التي قدمتها (التقنية) باستخدام (الفار) للمساعدة في أخذ القرار (الدقيق) مع بعض أخطاء اللعب وقرارات التحكيم. وخرجت روسيا من المونديال وهي (الكاسب الأكبر)، وذهبت بالنجاح المشهود من كل النواحي، منها جوانب لا علاقة لها بكرة القدم، لم يكن متوقعًا أن تصل فيها إلى الدرجة التي تحققت، سواء ما يتعلق منها بالجوانب الداخلية؛ فالروس أوقفوا خلال المونديال الحديث عن مشاكلهم الداخلية، من نوعية مدى شعبية الرئيس بوتين في الجانب السياسي، كما أوقفوا اقتصاديًّا الحديث عن ارتفاع سعر البنزين. أما اجتماعيًّا فقد علقوا الحديث عن قرار رفع سن التقاعد في بلد يزيد سكانه على 145 مليون نسمة. ولم يكن الأمر مجرد توقف، وإنما (انصرفوا) إلى تقديم (الابتسامة) والفرح في كل مكان يوجد فيه (ضيوف) المونديال، بدءًا من ملعب (لوجنيكي) الذي شهد الافتتاح والختام، مرورًا بساحة الكرملين (الميدان الأحمر)، وانتهاءً بـمناطق المشجعين (فان زون) التي زرعت في كل مدن ملاعب البطولة.
في الختام المشهود فازت فرنسا بالذهب الأصفر محققة فوزها الثاني بالكأس العالمية، وبعد أن قدمت دروسًا في (التكتيك) واللعب والاحتواء؛ ففريقها كانت صبغته الأكبر (المواليد) الذين أنجبتهم أراضيها وملاعبها، وبعد ذلك قدمت درسًا (أوروبيًّا) في أناقة الفرحة والبهجة، وكيفية (الاحتفال الحضاري).
أما كرواتيا فلم تفلح في الاستمرار وتحقيق المعجزة.. لم تحقق الحلم، لكنها (كسبت) الإنجاز والاحترام بعد أن قدمت درسًا (للعالم) في العزيمة والروح والإصرار.
وفي الختام، فإن الكاسب الأكبر من المونديال - وبلا شك - هذه (اللعبة الساحرة) الأنيقة الممتعة؛ فهي وحدها من يستطيع (توحيد) العالم، وجعلهم يتحدثون بلغة واحدة، اسمها (كرة القدم).
كلام مشفر
« رجل ثالث سجل اسمه بمداد من ذهب في قائمة نجوم خاصة وفريدة عالميًّا؛ فالمدرب الفرنسي (ديشامب) أصبح الاسم الثالث في تاريخ كرة القدم لرياضي يحقق بطولة كأس العالم لاعبًا ثم مدربًا، بعد اسمين كبيرين عالميًّا: البرازيلي ماريو زاجالو، والألماني (القيصر) فرانز باكنباور. وهكذا الطموح المتنامي للرياضي الملهم ليس له حد، ولا يتوقف عند إنجاز.
« والمثال على الطموح الذي ليس له حد ولا يتوقف عند إنجاز له أوجه أخرى عديدة.. ولعل مدرب كرواتيا (زلاتكو داليتش) من الأمثلة التي يعتد بها؛ فهو ليس فقط كما يعرفه (أكثرنا) مدربًا مغمورًا، بدأ في الخليج، ثم انطلق ليصبح مدربًا لثاني أفضل فريق في كأس العالم. الصورة الحقيقية تختلف؛ فهو (صناعة) سنوات من العمل والتجارب، بعد أن اعتزل الكرة لاعبًا، وعمل مدربًا في أكثر من فريق في بلده وفي ألبانيا (إحدى دول البلقان)، وكان في إحدى محطاته العملية مساعدًا لمدرب منتخب كرواتيا تحت 21 عامًا. وأكيد إن طموحه يتمدد.
« خلال اثني عشر عامًا درب منتخب الأرجنتين ثمانية مدربين، آخرهم (خورخي سامباولي) الذي أُقصي من منصبه بعد نكسة مونديال روسيا.
« الأرجنتين مثل كثير من دول (العالم الثالث)، يكون الحديث قبل البطولات والمباريات عن اللاعبين النجوم والرموز وعشاق الجماهير، وبعد الإخفاق تساق لهم المبررات، وتعلق المشانق للأجهزة الفنية، ويستمر مسلسل الإخفاق.. وهذا ديدن كرة العالم الثالث.
« المكاسب التي تسعى إليها الدول التي تقدم على تنظيم كأس العالم، والتي تتركز على الجانب الاقتصادي والسياحي، تجاوزها الروس في استضافتهم بما حققوه إعلاميًّا، وتغييرهم الصورة الذهنية التي ظلت مرسومة عنهم عند الكثيرين، والانفتاح الذي سيقبل به العالم عليهم وعلى منطقة أوروبا الشرقية بعد أول مونديال يقام فيها.
« انتهى المونديال والعالم يتحدث عن البطولة و(المتعة) في روسيا كرويًّا وتنظيميًّا، وأجواء واحتفالات صاخبة في كل مكان. النجاح الذي تحقق طبيعي جدًّا؛ فروسيا (دولة عظمى)، لكن من شأن ذلك أن يفرض على (فيفا) والعالم رفع شعار أن بطولة كأس العالم حدث عالمي كبير، من ينظمه يجب أن يكون (دولة)، ودولة عظمى!