د.علي القرني
ماذا يحدث لو توقفت صحفنا الورقية بشكل نهائي؟
هذا السؤال ليس خياليًّا، كما أنه ليس خيالاً علميًّا، بل ربما يكون واقعًا. فهل يمكن أن تتوقف صحفنا؟ والجواب بأنه نعم، ومن الممكن، بل من المتوقع إن لم تحدث معجزات لبعض الصحف على الأقل. وتوقف الصحف هو من الأحداث التاريخية التي قد تمر بها بلدان، بحكم ظروف طارئة، ولكن بحكم ظروف متراكمة تؤدي في النهاية إلى التوقف الكامل، فهذه تُعد أيضًا من الظروف الاستثنائية..
واسمحوا لي أن أتناول الموضوع من ناحية سيسيولوجية في جوانب من هذا التحليل؛ لكون توقف وظيفة من وظائف المجتمع ينعكس على سلبيات وإخفاقات أخرى، قد لا تكون منظورة في الحالة الاعتيادية. وهنا أمثلة معينة في تداعيات توقف صحف ورقية عن الصدور، وأقصد توقف كل الصحف أو معظمها:
1. غياب الصحف الورقية يعني غياب صوت الدولة بشكل شبه كامل؛ إذ تمثل هذه الصحف صوت الدولة وامتدادها في المجتمع بشرائحه كافة. وحتى مع بقاء وكالة الأنباء السعودية فإن نشر الأخبار وتوزيعها مهمة الصحف وليس الوكالة، ولا تستطيع الوكالة أن توزع أخبارها على الأفراد بملايين الأعداد. ويأتي في إطار غياب صوت الدولة غياب الحدث الوطني بل الأحداث الوطنية؛ إذ الصحف تعمل باستدعاء تلك الأحداث وصناعتها في كثير من الأحيان.
2. غياب الصحف الورقية يعني غياب صوت المواطن؛ إذ نعلم أن الصحف تمثل المواطن بأسئلته وهمومه. وأقل ما يقال إن الصحف هي نبض المواطن.
3. غياب الصحف الورقية يعني انحسار دور النخبة في المجتمع؛ فنعلم أن كتّاب الصحف - وهم يعدون بالمئات أحيانًا في صحيفة واحدة - هم نخبة المجتمع الأولى، أو صفوة الصفوة في بعض الأحيان. وغياب الصحافة الورقية يعني بالضرورة خروج هذه النخبة عن دائرة الفعل الاجتماعي؛ لأن الصحف هي القنوات التي يظهرون من خلالها دورهم في دراسة وتحليل وتقويم المجتمع.
4. غياب الصحافة الورقية يعني غياب الإعلام بشكل عام؛ فلن تكفي قنوات تلفزيونية أو إذاعية بديلة للصحافة؛ إذ تمثل الصحف الأدوات المهنية الأولى في الإعلام الوطني. وبحكم رسمية الإعلام المرئي والمسموع فهي تحد في كثير من الأحيان وفي كثير من الدول من المستوى المهني الإعلامي. وتوفر الصحف قيمة مهنية كبيرة في الإعلام الوطني.
5. غياب الصحف الورقية يعني تسيد شبكات التواصل الاجتماعي على مسرح الإعلام، ويصبح هو الناهي والآمر في كل شؤون المجتمع، وحتى الصحف الإلكترونية ستخفق في أن تكون بديلاً للصحافة الورقية التي تمثله مؤسسات الصحافة في المجتمع.
هذا عرض مقتضب عن حالة افتراضية تحدث فقط في حالة توقف صحفنا الورقية عن الصدور بشكل نهائي، وهذا ما لا نتمناه في مجتمعنا؛ فلا يزال هناك مليار وسبعمائة مليون يتصفحون الصحف اليومية حول العالم بصفة يومية؛ وهذا يعكس أن ظاهرة القراءة وظاهرة الصحف اليومية باقية ومستمرة. وبناء على هذه المعطيات فإن وضع صحفنا لا يزال يترنح، ولم يتقدم خطوات إلى الأمام بسبب الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها جميع الصحف بدرجات مختلفة. ومن هنا فإن دعم الصحف الورقية ليس خيارًا بل ضرورة لإبقاء صوت الدولة وصوت المواطن مستمرًّا..