ميسون أبو بكر
هي كرة القدم التي استطاعت دون منافسة أن تحظى بأكثر شعبية على الإطلاق من بين الرياضات المختلفة، ولا أنسى السؤال القديم المتجدد: كيف استطاع لاعب كرة القدم ولم يستطع الأديب والمثقف والشاعر أن يحقق هذه الشعبية وتلك النجومية التي حققها الأول؟
تواجدي في فرنسا وقت المباراة النهائية لكأس العالم كانت فرصة لأرى عن قرب المسيرات في الشوارع بعد فوز المنتخب الفرنسي والتشجيع الجماهيري الكبير للمباراة، وكل مظاهر الفرح والاحتفال، وكذلك التنظيمات التي قامت بها الدولة لتهيئة الشوارع وأماكن المعالم المهمة دقيقة جدا لتجنب أي حوادث أو مفاجآت، فعلى سبيل المثال تم إغلاق الشوارع الرئيسة وإفساحها لمركبات المحتفلين والدراجات النارية ومسيرة المشاة الذين تلونوا بالأزرق والأحمر والأبيض (ألوان علم فرنسا).
فرنسا احتفلت عن بكرة أبيها بالفوز بنهائيات كأس العالم، كل الفئات العمرية والأجناس التي تعيش على تلك الأرض على اختلاف أديانهم أيضا، مما يدلل على المواطنة التي يشعر بها المواطن والمقيم أيضا الذين يتشاركون العيش والحياة على تلك الأرض.
رأيت عربا فرنسيين وأفارقة مقيمين، ومحجبات من المغرب وتونس والجزائر يهتفون لنصر فريق فرنسا، وشباب ولدوا على تلك الأرض، وسأتذكر أبدا ذلك النادل في المقهى الذي كان منهمكا في عمله لكنه رغم ذلك مرخيا سمعه وانتباهه لصوت الشاشة الكبيرة التي تجمع أمامها حشدا كبيرا من الزبائن لمتابعة المباراة في كأس العالم في روسيا الذي حمل الكثير من المفاجآت، والذي احتل الاهتمام والحيز الأكبر في نشرات الأخبار الرئيسية متصدرا كل الأخبار الأخرى وأولها السياسية.
الفريق الكرواتي قدم مفاجأة لوصوله للنهائيات، وعرفنا بسبب هذا الفريق ورئيسته التي لفتت انتباه العالم -بما قيل (الكترونيا) عن جهودها وكذلك لحضورها وتشجيعها- الكثير عن البلد وثقافته، بل وانهمر سيل من الرسائل والمداعبات عن كرواتيا وجميلاتها.
ولعلي أستعين بتغريدة الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد «لا تستحق كرواتيا الخسارة، وتستحق فرنسا الكأس».
كرة القدم حملت هذا الموسم الصاخب الكثير، أمتعتنا رغم أنها تعاكست مع طموحنا أحيانا وأرضت توقعاتنا أحيانا أخرى.
العالم الذي فرقته السياسة جمعته كرة القدم، وكم أتمنى أن يصبح للثقافة الجماهيرية المماثلة لعلها تمكن من رسم خارطة إنسانية أخرى للعالم بعيدا عن الصراعات والحروب التي أنهكت العالم.