د.ثريا العريض
نستطيع أن نؤكد أن الأمن عندنا مستقر والحمد لله. ولكن من الضروري لاستدامة الأمن إدراك أن الإطار العام لتفاعلات أحوالنا الأمنية تشوبه كثير من الملابسات السلبية الناتجة عن ضعف الوعي والتضليل المقصود من جهات مستفيدة من قلقلة الأوضاع سوء الفهم. ولكل جهة دوافعها وتبريراتها.
وهناك مصالح فئوية لجهات متعددة، داخلية وخارجية، تتبارى في استقطاب الأفراد وإضعاف شعور المواطنة لديهم، لحد تقبل الانتماء إلى جهة خارجية، دون شعور بأن في ذلك خيانة وطنية!
كلما استجد ما يشير لوجود هذه الملابسات أتساءل: هل يدرك المؤججون أن قلقلتهم للأمن هي تهديد بإغراق سفينة الوطن بمن عليها؟ وأن حق حرية التعبير ليس بتلك الفوضوية الفضفاضة ليشمل رفضهم لفئة من ركابها، أو رغبتهم في احتكار دفتها ووجهة سيرها بالتخلص من القبطان؟ ولن تكون هناك فرقة ناجية طالما هي تدعو إلى تحطيم السفينة بخلخلة مسامير روابطها أو إقصاء بعض راكبيها.
ويبقى السؤال هل الخطر الأكبر للأمن يأتي في صورة غزو يتحتم مواجهته عسكريا؟ أم الأخطر هو وجود تأزم في تعامل الفئات مجتمعياً، في غياب الرادع الرسمي الحازم، تضعف اللحمة الوطنية وتؤسس محاضن تسرطن فكري، وكوى ضعف داخلي توهن الشعور بالمواطنة، ليستجيب مواطنون من الداخل بفتح البوابات لهزيمة الوطن؟ الخطر من المصدرين مدمر كلياً.
نعود لأفق الأسئلة المصيرية: هل تجوز خلخلة الأمن تحت أي مبرر؟
لا بالطبع! يدرك ذلك كل عاقل.. ولا يرضى بها أي محب للوطن.
ومهما تفنن البعض في اختلاق مبررات وتبريرات لتأطير هذه الخيانة الفجة في إطار يزيفها لتبدو حباً للوطن ولو عبر تفجير الأغبياء أنفسهم قرباناً لتحقيق أوهام المحركين المستترين وإيصالهم إلى الوصول إلى الهيمنة. تظل الحقيقة أن الانتماء هو للوطن الذي يحمي أبناءه من الشر والجهل والمعاناة.. لتصل بهم سفينته إلى بر الأمان طال الزمان أم قصر. ولن تكون هناك فرقة ناجية طالما هي تدعو إلى تحطيم السفينة بخلخلة مسامير روابطها أو إقصاء بعض راكبيها.
وحين نتأمل الأمن بكل موقع تطبيق له: الفردي والمجتمعي والوطني والإقليمي والقومي، تنفتح آفاق تساؤل شاسع متعدد الجوانب والمداخل: ما هو المقصود: الأمن الجسدي؟ أم العاطفي؟ أم الفكري؟ أم الصحي؟ أم العسكري؟
هل هناك درجات من خطورة التهديد للأمن الوطني؟ بين المباشر كما في أفعال من ينتمون لمنظمات تحلل العنف الجسدي وتمارسه كـ»داعش»، والتحريض على العنف كالخطباء عن بعد من لندن وأمريكا وإيران؟ أو عن قرب في الجوار كما يفعل القرضاوي؟ أو عن قرب حميم كما يفعل بعض من تكمموا وتلثموا الآن بعد تجريم أفعالهم مؤخراً فصاروا يغمغمون، أو ينفثون سمومهم في ساحات التواصل الاجتماعي ممولين بدعم مادي خارجي؟
من التبسيط أن ينحصر الفهم العام المتداول لمصطلح «الأمن» بأنه الأمن لحدود الدولة وسيادتها الذي جاء من منطلق تقوية وديمومة استقلال الدولة واستدامة رخائها. شخصياً أرى أن الأمن مصطلح مرن يفتح باب الأسئلة المصيرية، قابل لتفسيرات متعددة حسب تركيز زاوية الرؤية. وأن المهم في هذه المرونة هو التوصل لشتى الإجابات المطلوبة لسد الثغرات الأمنية أنى كان مسببها.