عروبة المنيف
تمر علينا أحداث في بعض الأحيان تكون استنتاجاتها عظيمة نتيجة للتفسيرات والتكهنات التي تتبعها. تلك الأحداث وتداعياتها وردود أفعالها، ينبغي أن تكون دروساً يستفيد منها متخذو القرار في فهم توجهات المجتمع وطريقة تفكيره وبالتالي في وضع الاستراتيجيات والتدخلات اللازمة لتوجيه الرأي العام المجتمعي تجاه قضية ما، فلا تمر مرور الكرام.
الصيحات التويترية وغيرها من وسائل التواصل التي أعقبت حادثة «فتاة الطائف» مستنكرة الحدث قد ساهمت في تضخيمه. لقد وقعت الحادثة على مسرح سوق عكاظ نتيجة لتهور إحدى الفتيات في إحدى الحفلات الغنائية وكشفت تلك المسرحية عن تناقضات مجتمعية لم نشعر بعمقها إلا بعد تلك الحادثة. وبالاطلاع على ردود الأفعال التي تستقى من «تويتر وأخواتها»، نجد أن بين ظهرانينا عدداً لا يستهان به من موجهي الرأي العام القادرين على بث رسائل سلبية لن تخدم مجتمعهم، تلك الرسائل التي اطلعنا عليها تجاه الحدث قدمت درساً هاماً في عملية توجية الآلة الإعلامية والثقافية مستقبلاً.
كانت مسرحية فتاة الطائف بأبطالها الحقيقيين، «الفتاة والمطرب»، من القدرة على التأثير بحيث تشغل الساحات الإعلامية والثقافية في المجتمع لعدة أيام. لقد أطلقت منصات تويتر وغيرها أحكاماً سريعة على بطلة المسرحية «الفتاة الطائشة»، ما يسمح بترسيخ معتقدات ومفاهيم مشوشة ومغلوطة لدى المتابعين. إن التفسيرات والتكهنات التي أعقبت الحدث قد ساهمت في إشاعة لغط لا يخدم القضايا المجتمعية بأي حال من الأحوال، كمصطلح الخصوصية السعودية وبأن الفتاة السعودية من المستحيل أن تقوم بهذا الفعل المشين وتتحرش بمطرب، واتهمت بذات اللحظة بقضية تحرش وأطلق الحكم عليها لينصب أبطال منصات تويتر أنفسهم «حكاماً وقضاة»، فمن المستحيل أن تكون الفتاة سعودية وتقوم بذلك التصرف المشين!، لندخل بعدها في لغط «العنصرية» وآثارها المدمرة التي تقضي على اللحمة الوطنية، فالتحقيقات المسربة أفادت بأن الفتاة مجنسة!، وبتلك التسريبات التي لا نعلم مدى صحتها! نؤكد «خصوصيتنا وعنصريتنا».
الحادثة برمتها «طبيعية» قد تحدث على أي مسرح بالعالم، وخصوصاً إن كان هناك قصور في الإمكانيات الضرورية التي تحول دون اقتحامه من أي شخص كان، سواءً متهور هدفه «العناق والتقبيل» أم إرهابي هدفه «الترويع والتفجير»، فالإشكالية بدون شك هي تقنية تنظيمية وقصور واضح من الجهة المنظمة للحفل. أما عن تهور الفتاة فهذا وارد أيضاً وقد يصدر عن أي مرتاد للمسرح سواء كان بالغاً أم مراهقاً، فنحن مجتمع طبيعي فينا الصالح والطالح، المتأني والمتهور، والمشهد الذي عايشناه في مسرحية «فتاة الطائف» يلقننا درساً هاماً بأن لا ندع أي مجال للتكهنات والتفسيرات التي تضر بالنسيج الوطني، فلا ندع الساحة «لحمقى تويتر وما شابهه»!. إن خروج مصدر مسؤول عن التحقيق في الحادثة في التوقيت المناسب، موضحاً ملابسات الحدث، متحدثاً باحترافية مع قدرة على التغطية الإعلامية والانتشار سيمنع تلك التكهنات والتفسيرات غير المبررة وسيساهم في توجيه الرأي العام بشكل أكثر إيجابية، بحيث يتم توجيه تفسيرات الحدث بالاتجاه الصحيح، وهي عدم كفاءة الاحتياطات والتجهيزات الأمنية في المسرح، فالاحترافية الإعلامية في القضايا الأمنية على وجه الخصوص يجب أن يكون لها أولوية لمنع التكهنات المصاحبة لأي حدث.