د. محمد عبدالله الخازم
ضمن الإهداءات الثقافية التي وصلتني مؤخراً كتاب «التربية اليابانية: البذور والجذور والثمار ثم الخريف» لمؤلفيه د. زكريا هيبه ود. صلاح معمار، ولكون العالم مبهور بالتجربة اليابانية وتقدمها الصناعي ونهوضها بعد كبوة الحروب العالمية فإن هذا العنوان يعتبر جذاباً ومهماً للمهتمين بالتربية والتعليم المقارن. ومن المسمى يتضح أن الكتاب وإن كان يتحدث عن التعليم إلا أن تركيزه هو على الجانب التربوي، بمفاهيمه الاجتماعية المنطلقة من تراتبية الأبوين والأسرة والمنظومة الاجتماعية بصفة عامة. ولا بأس في ذلك باعتباره عنوان وهدف الكتاب وقد نرى مؤلفات أخرى تسنده في جانب التعريف بمفاهيم التعليم اليابانية من الناحية التنظيمية والسياسية والمعرفية.
في الجزء الخاص بالبذور تم استعراض الخلفيات التاريخية والجغرافية لدولة اليابان بشكل مختصر، كما تم الإشارة إلى تأسيس وزراة التربية عام 1871م واعتبار محور عملها التربوي هو المقرر الذي ركز على فروض أعلنت في خطاب الامبراطور حينها مثل:
- طاعة الوالدين
- التعاطف مع الإخوان والأخوات
- نشر الخير ومواصلة التعلم
- تنمية القوى الأخلاقية
- احترام الدستور
- تقديم النفس لخدمة الأمة بشجاعة
ورغم تلك البذور فإنه ضمناً يشار إلى التقدم الغربي في المجال التعليمي حين يشرح كيف أرسلت البعثات التعليمية اليابانية للغرب لنقل المعرفة والتقدم والصناعة. لكنه يعود للجذور التربوية ويراها مبررات أو مسببات النهوض الياباني وتتضمن القواعد التالية:-
- الاعتزاز بالهوية واللغة القومية.
- تعاظم دور الأم التربوي.
- الأخلاقيات اليابانية.
- تقديس العمل.
- التحدي والصلابة.
- السلوك الياباني الراقي.
- تنمية روح المواطنة.
ولأن فصل الجذور لم يكن كافياً للإحاطة بالجذور التربوية من وجهة نظر المؤلفين فقد ألحقا به فصل سمي تعميق الجذور طرحت فيه قواعد التربية اليابانية في تربية الطفل، التربية الصحية، التربية البدنية، المدرسة، احترام المعلم وتقديره، القراءة، التعليم العالي والبحث العلمي. واستمراراً لتصوير التربية كشجرة مثمرة كان لا بد من التطرق للثمار التي جادت بها وسائل التربية المشار إليها سابقاً وتلك الثمار هي ما شكل نهضة اليابان الحديثة ومنها العمل الفريقي، المسؤولية الجماعية، احترام الأصفار الخمسة، الولاء المؤسسي، وغيرها من الثمار أو المبادئ التي تستمد من فكر إدارة الأعمال ونجاح المؤسسات، وكأن النجاح المؤسسي للمصانع والشركات والؤسسات هو مكون النهضة اليابانية من ناحية وهو نتاج الفكر التربوي الذي أشير إلى بعض نقاطه أعلاه. طبعاً هذا كتاب عام ولا نتوقع منه تحليل عميق للتقاطعات الاقتصادية والسياسية مع التربوية والأسرية والاجتماعية.
الكتاب في فصله الأخير أخذنا إلى منحى يعيدنا للواقع وكون الصورة ليست بهذه السلاسة والبساطة وإنما هناك تحديات تعترض التجربة اليابانية. لم تعجبني تسميتها بالخريف إلا إذا اعتبرت شيخوخة الأسطورة اليابانية التربوية ونحن نستخدم الخريف كمرادف للشيخوخة. التحديات أمام التجربة اليابانية، كما عرضها الكتاب، تتمثل في الكوارث الطبيعية، ونقص الموارد، والعزلة الدولية، والتعصب العرقي وإحساس القطيع والعزوف عن الزواج وانخفاض المواليد وتهالك البنية التحتية وتقوقع اللغة والفقر والانتحار ونقص المياه.