د. محمد عبدالله الخازم
من بعيد أتابع ما يجري في مسقط الرأس منطقة الباحة، والغياب أوفيه بالإشارة إلى بعض الحراك المميز لشخصيتها واتبعه بعتب على جامعتها. يبدو مختصر فلسفة الباحة في القول «ليس بالضرورة أن يكونوا مثل غيرهم... يتبنون ما يناسبهم». أو بتعبير آخر (ما حد قالهم يكونوا مثل غيرهم.. المهم ينفعوا روحهم). الباحة منطقة صغيرة في المساحة والسكان لكنها تتمتع بثراء مناخي وطبوغرافي فريد حيث تحوي تهامة على مستوى البحر والسراة على ارتفاع 2000 متر وعمق داخلي باتجاه الصحراء، تنتقل خلال ساعة في أجوائها ما بين حرارة 50 و20 درجة حرارة في الصيف.. تنوع وثراء جميل.
هكذا نحن أهل الباحة ننجرف في التغزل بباحتنا، فلأعود لفكرة المقال. الباحة وبشكل يكاد يكون (ترنداً) تتشكل هويتها في اتساع رقعة العمل المجتمعي عبر وسائل حديثة ومتميزة تتكيف مع إمكانتها وطبيعتها، ومن أمثلة ذلك تعدد النشاط التعاوني فيها عبر العديد من الجمعيات التعاونية في مجالات زراعية عديدة تتميز بها المنطقة ونعلم أنها تشتهر بالعسل واللوز والرمان والعنب والبرشومي والتمور وغيرها وهذا دلالة إدراك الأهالي بقيمة منتوجاتهم وحاجتهم للتعاون فيما بينهم عبر مؤسسات منظمة تساعدهم في تنمية وتسويق تلك المنتجات ونفع أنفسهم في النهاية. مثال آخر للعمل المجتمعي، ذلك النشاط الذي تقوم به جمعيات التنمية وفروعها في مختلف القرى، فكثير من القرى أصبح لديها مراكز تنمية محلية (تتجاوز مراكز الأحياء في المدن) تنمي نشاطات أبناء القرى الرياضية والترويحية وتعزز الحياة المجتمعية في القرية وغير ذلك.
وفي النشاط الخيري تم الاهتمام بالفئات المختلفة فأصبح لدى المنطقة مركز لرعاية الأطفال ذوي الإعاقات ويعملون على تأسيس مركز للمسنين وجميعة كبار سن وغير ذلك. الجميل في الجمعيات التعاونية أو في جمعيات التنمية أو في العمل الخيري هو المساهمة الكبيرة للأهالي ومبادرتهم بتبنيها ودعمها بشكل تنافسي إيجابي يرجى أن يعم كافة أجزاء المنطقة، وما أجمل التنافس والغيرة المثمرة بين القرى والأهالي.
الجهات ذات العلاقة بالعمل الاجتماعي لا تقصر وفق قاعدة الدعم وفق المبادرات ولست أخال أهل الباحة عاجزين عن ابتكار المبادرات. لكن ما زال هناك جهات في المنطقة لم تدرك الحكمة عنوان مقالنا، «ليس المطلوب منهم أن يكونوا مثل غيرهم» وفي مقدمتها الجامعة التي ما زالت تائهة فلا هي في مستوى الكبار لنقول عالمية ولا هي قادرة على صنع هوية تناسب منطقتها لنقول المحلية منطلق للعالمية وها هي تسير وفق معطيات بيئتها. لن اتهمها بالعيش في أبراجها، هي شاردة لا قريبة ولا بعيدة عن المنطقة وأحلام أهلها المتنوعة. أو هي مخنوقة في قاعاتها غير قادرة على مصافحة باحتها. لذا نذكرها بالشعار «ليس المطلوب أن تكونوا مثل غيركم.. تبنوا ما يناسب باحتكم».
أهالي الباحة يعملون وفق إمكاناتهم مجتمعياً، ومازال المشوار مستمراً نحو تحقيق أحلامهم التنموية من صحة وطرق وصناعة وسياحية وغيرها، وتلك مواضيع لها مقام آخر، أو لعلنا نضعها في مرمى (حسام) الباحة، عين حكومة خادم الحرمين الشريفين الساهرة على مصالح المنطقة.