د. جاسر الحربش
عندما ينفصل فرع صغير من منظومة تاريخية (قطر كمثال) عن انتمائه الأمني والاجتماعي، لا بد أن نسمي ذلك انحرافاً وتصرفاً انعزالياً، حتى لو لم يترتب عليه خسائر كبيرة لبقية مكونات الأصل. المسألة في المبدأ أولاً، ثم في درء الضرر عن المنفصل والمنفصل عنه، ولو أن ضآلة المسؤوليات والأدوار المطلوبة من الفرع تبقى في إطار المصبور عليه حتى يتم التصحيح الذي هو مسألة وقت فقط.
توجد أصوات منتشرة هنا وهناك في المجتمعات العربية تحاول التشكيك في موقف دول مجلس التعاون من الموقف القطري الذي انحاز بوضوح إلى كيانات أجنبية تستهدف علناً أمن المنطقة الخليجية، بما يترتب على ذلك من أخطار على شامل الأمن العربي، والعاقل يعرف الثقل الخليجي والسعودي بالذات في الميزان العربي والإقليمي والعالمي.
الموضوع يحتاج إلى تذكير وشرح عقلاني غير عاطفي للسياسة السعودية، أولاً للوصول للعقول المترددة وثانياً لدحض دعاوى المباركين للعزلة القطرية بتقديمها إعلامياً كمحاولة علاجية لإحباطات الجماهير العربية وهي في الواقع استمرار مقصود للتفكيك.
لذلك يجب أن نعود أولاً إلى هدف الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - عندما أسس الدولة السعودية الثالثة فاختار لها اسم المملكة العربية أولاً ثم السعودية، لأن التسمية لم تكن وليدة صدفة مفصولة عن الربط بين التسمية والمسؤوليات المستقبلية. لن يستطيع صاحب الرأي الموضوعي المحايد وصف السياسات السعودية بالتهور أو الانعزالية والأنانية، وإلا لكانت دفعت ثمن ذلك من أمنها واستقرارها الذي دفعته الدول صاحبة السياسات المتهورة أو الانعزالية الشوفينية في المنطقة.
عند مراجعة التطبيق العملي للسياسات السعودية نجد محاولة جمع تكاملي بين أربع دوائر لتحقيق المصالح الوطنية والقومية والإسلامية والعالمية حسب أولويات الترتيب. الدائرة الأولى هي سياسة الدولة الوطنية التي تقدم مصالحها على الدوائر الثلاث الأخرى ولا تتعارض معها إلا لظروف قاهرة ومؤقتة. الدائرة الثانية هي سياسة الدولة العربية التي ترتبط مع شقيقاتها بمصالح مقدمة على غير العربية وكذلك لا تتعارض معها إلا في ظروف قاهرة ومؤقتة. الدائرة الثالثة هي سياسة الدولة الإسلامية المسؤولة من مركزيتها الدينية والجغرافية عن تكافل مصالح المسلمين ولا تتقاطع مع أي دولة مسلمة إلا لظروف قاهرة ومؤقتة. الدائرة الرابعة هي سياسة الدولة المسؤولة جغرافياً ودينياً عن دورها في استقرار العالم، الواعية لكون اضطراب الأحوال فيها - لا سمح الله - يعني بالضرورة اضطراب العالم العربي والإسلامي والعالمي المتداخل شبكياً بمصالح لا محدودة، مدركة ومحتملة.
بناءً على هذه المركزية البالغة الأهمية للدولة السعودية على العاقل أن يفهم، وخصوصاً السعوديين قبل غيرهم، أن السياسات السعودية تقوم على الاهتمام التوفيقي والتوافقي في الدوائر الأربع، مع الفرق النوعي في تقديم مصالح الدوائر الأقرب على الأبعد.