فضل بن سعد البوعينين
توقعت مبكراً، ومازلت، بسحب تنظيم مونديال كأس العالم من قطر على خلفية الفساد المالي والسياسي الذي أحاط بعملية التصويت والاختيار التي حدثت في ديسمبر من العام 2010.
لم تكن قطر الأوفر حظاً حينها، مع وجود بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، غير أنها كانت الأكثر نفوذاً على اللجنة التنفيذية لأسباب مالية سياسية صرفة. أحسب أن الأميركيين أسهموا في تمرير (الإسناد المؤقت) لكأس العالم، من أجل تحقيق أهداف سياسية عسكرية في المنطقة، حيث شكلت حكومة قطر ذراعهم الاستخباراتية التخريبية في الدول العربية، والمنفذة للبرامج القذرة التي صُنعت في دهاليز الاستخبارات الغربية. يشكل تنظيم «كأس العالم» جانباً من المنافع التي قُدمت لقطر في مقابل مشاركتها في تنفيذ مخطط «الفوضى الخلاقة» الإستراتيجي، وهي منافع مُعلقة قُدِّرَ لها أن تختفي بمجرد انتفاء سبب وجودها الرئيس.
غضت الولايات المتحدة الأميركية النظر عن الفساد المالي والسياسي القطري وسمحت لحكومتها بتحقيق المكاسب الوقتية لضمان سير مخططاتها الإستراتيجية، غير أنها اهتمت بتوثيق عمليات الفساد المالي، خاصة غسيل الأموال، تمويل الإرهاب، والرشى المتنوعة، لاستخدامها وقت الحاجة لتوريط حلفاء الأمس.
لم تخبُ نار فساد مونديال 2022 منذ إسناد تنظيمه لقطر، غير أن لهيبها ازداد اشتعالاً بعد انتهاء مونديال روسيا، الدولة التي لحق بملفها قضايا الفساد والتواطؤ. انتهاء مونديال روسيا أبقى قطر وحدها في مواجهة ملف الفساد العالمي الذي نتج عنه طرد رئيس فيفا السابق وعدد من نوابه والقيادات المؤثرة. «جوزيف بلاتر»، رئيس فيفا السابق، اتهم قطر وحليفها الرئيس الفرنسي السابق «نيكولا ساركوزي»، يوم أول من أمس، بممارسة الفساد والابتزاز السياسي من خلال نائب فيفا السابق، الفرنسي «ميشيل بلاتيني» لتمكينها من الفوز بتنظيم كأس العالم 2022. كثيرة هي قضايا الفساد والرشى التي تورطت بها قطر خلال السنوات الماضية، والتي تعزز فرضية سحب تنظيم المونديال منها، إلا أن تصريحات بلاتر الأخيرة، وبعض التحقيقات القانونية ستعجل بتنفيذ قرار السحب، وإقامة دعاوى جنائية تطال شخصيات قطرية ومسؤولين بارزين، وربما تطورت الاتهامات لتطال القطاع المصرفي القطري، وبنوك خارجية تورطت في تمرير عمليات مالية قذرة خلال السنوات الماضية.
ملف الفساد المالي السياسي القطري ليس مرتبطا بقضية مونديال 2022 بل يضم الكثير من القضايا العالمية الأخرى، ومنها قضايا تمويل الإرهاب الدولي وغسل الأموال التي توشك أن تُطبق على رقاب الفاسدين.
أعتقد أن سحب المونديال ربما يكون أقل الأضرار المتوقع حدوثها للحكومة القطرية الحالية والسابقة، فالمتابع لمتغيرات الأحداث يجد أن عاصفة من المتغيرات العميقة والمدمرة ربما هبت على قطر، وأذاقت قيادتها وحكومتها بعضاً من السم الزعاف الذي سقته الشعوب العربية في ليبيا وسوريا والعراق ومصر واليمن. قال تعالى «إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ * أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ».