د. عبدالرحمن الشلاش
كنت أقف على رصيف القطار المتجه من فرانكفورت إلى ميونيخ وقد أجهدتني الحقيبة الثقيلة التي أحملها تارة على كتفي وتارة أخرى أستريح منها فأضعها على الأرض، ولأن القطار عادة لا ينتظر سوى دقائق معدودة ثم يمضي سريعاً بعد إقفال جميع الأبواب فقد كنت أيضاً أحمل هم هذه اللحظة فقد لا أتمكن من اللحاق بالقطار حيث الازدحام الشديد، ومئات المسافرين المنتظرين لحظة وصول القطار وفيهم كبار السن والشباب والأطفال الذين سيسدون حتماً أبواب القطار ولن يتركوا لأحد أي منفذ. هكذا كانت الأفكار السلبية التي اكتسبتها من بيئتي تحاصرني بقسوة غير معهودة بالذات هذه المرة. عادت بي الذاكرة عبر شريط طويل عندما كان الناس هنا يتزاحمون عند سلم الطائرة والشاطر من يصعد أولاً رغم أن المقاعد مرقمة.
في هذا الجو المشحون بالتفكير العميق أفقت على صوت عجلات القطار. حملت حقيبتي محاولاً تحاشي الازدحام وشخصت نحو الباب وعند وصولي لأول درجات السلم لاحظ بعض المسافرين القريبين مني ثقل الحقيبة فبادر أحدهم دون أن أطلب منه مساعدتي حتى عبرت بسلام وما هي إلا أربع دقائق فقط هي المدة اللازمة لجلوسي على مقعدي، بينما كانت الحقيبة في مستودع العفش القريب من كبينة الركاب.
هذا موقف واحد حدث لي من جملة مواقف في الغرب وكنت دائماً أشير إلى أخلاقيات أولئك البشر، وأشيد بمواقفهم فيرد علي أحد الجالسين لكنهم كفار! أرد لكن رغم كلامك فلديهم إنسانية يحترمون النظام ولديهم مساحة للتسامح ومساعدة من يستحق. لا يمكن أن تجد أحدهم قد احتل مقعدك سواء في الطائرة أو القطار بينما عندنا ما شاء الله تحجز درجة أولى وتختار المقعد ثم تفاجأ بأن أحدهم أو إحداهن قد احتل مقعدك دون وجه حق، وحين تطالب بإخلاء المقعد تأتيك الأعذار إما إننا زملاء أو أزواج أو أن هذه المرأة التي احتلت مقعدك لا يمكن أن تجلس بجانب رجل رغم أن هذه الأمور يمكن لموظف الخطوط تدبرها ووضع النساء بجانب بعض وكذلك الأزواج والزملاء.
في كثير من الأحيان ولأنك لا تريد أن تدخل في جدل طويل تضطر للقبول بالأمر الواقع. هذه السلوكيات لا تحدث في الغرب حيث إن رقم المقعد ملك للراكب وليس تحت تصرف شركة الطيران. رغم أن الدين الإسلامي يحثنا على حسن التعامل إلا أنك تصدم - وهنا لا أعمم - بسوء أخلاقيات ترفع الضغط والسكر وتدعوك للاستغراب والتساؤل كيف أننا مسلمون لكننا بعيدون عن الشفقة والرحمة والمسافة بيننا وبين الإنسانية بعيدة.