د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** لا تقلق أيها «الكاتب» إن لم تولِّ ذهنك صوب اللغة وتجاوزتَ نحوها وصرفها؛ فما عاد أحد سيعاتبك إن رفعت مخفوضًا أو خفضت منصوبًا أو زدت مجردًا أو جرَّدت مزيدًا، ولا تقلق إن تاهت الهمزات عن ذاكرتك فوضعت ذات السطر على الواو وذات الياء على الألف وصار المقصور ممدودًا والهاء منقوطة، ولا تقلق من أسلوبك؛ أجاءَ مبتسرًا أم مرتبكًا فسيفهمونك بدءًا ويُجلُّونك منتهى كما لا يفعلون مع متقعري الأساليب الذين لم يتخلصوا من دروس البيان والبديع وما يزالون يرون الكاتب أسلوبًا، ولا تقلق إن لم تبلغ المعنى؛ فقراؤك سيجمعون كلماتك «المتقطعة» ويصنعون منها معلقة، ولا تقلق من غياب معلوماتك فلا أحد سيحتفي بحجمها أو قيمتها ولا بتوثيقها وتدقيقها، ولا تقلق إن غفا متابعوك أو انفضُّوا فما عليك سوى دقِّ الجرس بتغريدةٍ من استراحتك خلال وقت « البلوت» لتعيد إليك الضوضاء، ولا تقلق إن عبر بسطورك ناقدٌ أو ناقم فكشفا لغوها أو قوَّما عثارها فما دريا أن لكلماتك صدى ولأصدائك مدى ولأمدائك جدوى.
**وأنت أيها « القارئ» لا تقلق إن عرفت أن هذا يقتات من تكاذيبه، وذاك من تخاريفه، وثالثًا من بؤسه، ورابعًا من يأسه، وغيرَهم من شعارات إصلاحية أو تنويرية أو ليبرالية أو صحوية فالكلُّ يُصادر حين يتصدر، ولا تقلق إن أرغمت صوتك على الصمت وصرفتَ قلمك عن النزف ومشاعرك عن العزف فلن يعبأ بحضورك إلاك، ولن يأبه بحظرك سواك.
** تراجعت الوسائط المعرفية كما توارى القلق الثقافي، واستبدل بالبحث القرائي البحثُ عن شبكةٍ فضائية تتواصل عبر العالم الرقمي الضاجِّ بالكلمات والصور والبيانات التي يقدرها المختصون فيما لو امتدت على شكل أقراص بثمانين ألف كيل أي بما يتجاوز المسافة من الأرض إلى القمر، وكذا فالفيسبوك يضخ يومياً بليون مشاركة، وغوغل ينفذ أكثر من أربعين ألف عملية بحث في الثانية، وخلال عام تم التشارك في أكثر من مليار صورة بين الأفراد، ولكم أن تتخيلوا الحجم المذهل للمعلومات والرسومات والمبيعات والأرباح التي تتم في عالم البيانات الضخمة لتدركوا ألا جمهور سيلتفت إلى سيبويه والجرجاني والمتنبي وابن رشد؛ فليقل من شاء ما شاء ولن يُقنّعهم أحد سوطًا لتصحيف أو لحن أو تحريف.
** في دنيانا الأرضية سنعتب على من لا يزنُ قولَه ويضبطُ فعله، وسيتبعثر العتب ويتكسر الغضب في العالم «السايبروني» الذي لا يسأل عما يدور بل يعنيه كيف ومتى وأين يدور، وعندما تختلط بياناتُ النقي والشقي والفصيح والعييّ تتلاشى المسافة بين «سقط الزند « و»سقط القول «، والأمر من قبل ومن بعد مرتهن بما نريد أن نرى أنفسنا فيه دون مأثمٍ أخروي أو مغرمٍ دنيوي.
** البياناتُ لا يستوقفُها البيان.