أ.د.سليمان بن عبد الله أبا الخيل
فمن حكمة الله البالغة، وكمال نعمته أن اصطفى لعباده هذه البقاع الطاهرة، والأماكن المقدسة لتكون مواطن شعائره، وشعائر مناسكه، وجعلها أساسًا لقيام الدين وصلاح العمل، وسببًا لدوام العز والنصر والتأييد، ولمقومات الفضائل والكمائل، وجعل من أسباب حماية الكعبة المشرفة وخدمتها: توفيق قادة هذه البلاد وحكامها وولاة أمرها، حيث شرفهم الله بهذه الأعمال الجليلة، وأناط بهم حمايتها ورعايتها وعمارتها، يستجيبون لأمر الله في قوله لخليله إبراهيم عليه السلام: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود}، فكان التمسك بالثوابت والأسس التي قامت عليها هذه البلاد المباركة هو منة من منن الله جل وعلا، وآلائه ومنهج قادتها الأوفياء وديدنهم منذ عهد المؤسس الباني الموحد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ، حتى عهد مليكنا المفدى وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله-، وعلى رأس تلك الثوابت، وفي مقدمة تلك الأسس تأتي خدمة الحرمين الشريفين، ورعاية الحجاج والزائرين، ولذلك لم تزل هذه الواحات المقدسة محل العناية والرعاية من ولاة أمرنا -حفظهم الله - يؤكدون ذلك في كل مناسبة، بل ويعدونه شرفاً كما صرح بذلك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز فقال -حفظه الله-: «إن السعودية تتشرف بخدمة قاصدي الحرمين الشريفين من المعتمرين والحجاج، فهي مهبط الوحي وأرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين»، أقوال تأريخية تصدقها الأفعال وتشهد لها التوسعات التاريخية، والمنجزات الجبارة، والمشروعات التي لم تمر على هذه البقعة عبر التاريخ، تلك الجهود المتوالية التي أدخلت هذه البقاع المقدسة إلى التفرد والتميز والعالمية، فغدت درة العواصم العالمية، وأجمل المدن في المعايير والمقاييس الهندسية، في أعظم البقاع وأطهر الأماكن مهبط الوحي ومهوى أفئدة المسلمين في كل مكان، وأجزم أن هذا الجهد نوعي غير مسبوق، وأنه سيحقق للمسلمين ما لم يتحقق لهم عبر العصور في هذا الشأن العظيم، فقد جعل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- جُل العناية، وفائق الاهتمام في خدمة الحرمين الشريفين من توسعة وتهيئة لكل ما هو ممكن في جميع المجالات من أجل أن يستطيع قاصدو البيتين الشريفين من تأدية مناسكهموشعائرهم وعباداتهم بيسر وسهولة واطمئنان وأمن وأمان، واستمرت هذه الجهود المباركة، والنظرة الخاصة والمتابعة الدقيقة الصادقة تتوالى حبًا وإخلاصًا لدين الله ووفاءً لعقيدته، وشعارًا تصدقه أعمالهم وجهودهم التي تقدم لكل قاصد لهذه البقاع المقدسة مهما كان جنسه، ومذهبه، وانتماؤه، فيُخدم دون منّة أو أذى، فكانت هذه المنجزات العظيمة، والخدمات الجليلة، والأعمال النوعية التي خُصت بها البقاع المقدسة والمشاعر أبلغ دليل على أن هذه الأعمال يؤطرها التجرد لله عن أي أغراض سياسية أو دنيوية، وبهذا أعز الله هذه الدولة وحفظها ومكّن لها، ومنحها أسباب التوفيق، وزادها أمنًا وأمانًا واطمئنانًا، وحفظها في ظل المتغيرات والأحداث، وهذا التميز الذي حظي به الحرمان والمشاعر كان حاضرًا في التخطيط الذي تتجه إليه الدولة، لتكون الأولوية لهذه البقاع في كل خطة أو رؤية، فكانت القرارات الكبرى، والرؤى الإستراتيجية تعتمد هذا التميز في كل خطة أو عمل، لتحظى هذه البقاع الطاهرة بأعلى عناية، وأميز خدمة، ولتكون في مأمن من التحولات والهزات الاقتصادية، وشاهد ذلك ما ورد في رؤية المملكة العربية السعودية 2030م، فقد ركزت الرؤية على توسعة هذه الخدمات الجليلة التي تقدم للحجاج والمعتمرين والزائرين، انطلاقًا من العمق الإسلامي، والتشريف الإلهي لهذه البقعة المباركة.
ومن هنا فإن إبراز هذه الجهود، وإظهار مكامنها، وشيء مما يصور واقعها أراه واجباً، لأنه جزء مما تقوم به بلادنا الغالية تجاه المسلمين وتجاه مقدساتهم، كما أنه سبب رئيس من أسباب ما ننعم به، من نعم الأمن والاستقرار، والاجتماع والألفة، لأن هذه الخدمات الجليلة هي إعزاز لدين الله، ونصر لشريعته، وخدمة لمقدساته، وتيسير على المسلمين، وإحسان إليهم، وحفظ لحرمات دينهم، وما يقوم به شأنه، لأن الله تعالى يقول: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ}، فالكعبة والمسجد الحرام قيام للدين، يقول ابن جرير الطبري -رحمه الله-: (القوام للشيء هو الذي يكون به صلاحه، كما الملك الأعظم قوام رعيته ومن في سلطانه، لأنه مدبر أمرهم، وحاجز ظالمهم عن مظلومهم، والدافع عنهم مروءة من بغاهم وعاداهم، وكذلك كانت الكعبة والشهر الحرام والهدي والقلائد قوام أمر العرب الذي كان به صلاحهم في الجاهلية، وهي في الإسلام لأهله معالم حجهم ومناسكهم وتوجههم لصلاتهم، وقبلتهم التي باستقبالها يتم فرضهم).
ومع ضخامة الجهود، وعظم المنجزات الإمكانات المسخرة لخدمة المشاعر وما بذلته هذه البلاد -رعاها الله- من تضحيات وما مولته من مشاريع سواء في البنى التحتية والتجهيزات الأساسية، أو في الخدمات والتسهيلات، أو في المواصلات والتقنيات، أو في توفير كل ما يحقق الروحانية والاطمئنان من الأمن والأمان، والتوجيه والإرشاد، وتجنيد كل المقدرات والطاقات المادية والبشرية في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، مع كل هذا نرى باستهجان بالغ إصرار بعض الأبواق الإعلامية المأجورة، ممن أعمى الله بصرهم وبصيرتهم على تسيس هذه الشعائر الدينية، ومحاولة استغلال موسم الحج لأغراض سياسية دنيئة، فما نراه هذه الأيام من الأعمال التي يقوم بها نظام الحمدين في قطر فهي أعمال العداء والشر والفساد والإفساد وذلك عن طريق استغلالهم لجماعات وأحزاب وتنظيمات وتوجهات وعلى رأسها وفي قمتها ذلك التنظيم الإخواني الإرهابي الذي أفسد على المسلمين عقائدهم ومناهجهم، بل جعل العالم يصف الإسلام والمسلمين بأنهم إرهابيون ومتطرفون، وذلك من خلال أيدلوجيات وأجندات وأساليب وطرق معلومة مكشوفة ظاهرة لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة، وما قاموا به وعملوه سواء عن طريق هذه الجماعة الغالية المفسدة أو عن طريق ما يمولون به كل من يريد الفساد والشر والإفساد مما هو معلوم ومعروف، هذه الأعمال الدنيئة الخبيثة التي لا يقرها دين ولا شريعة ولا عرف ولا مبدأ ولا هيئة بعيدة أو قريبة ستعود بوبال وخسران وخزي عليهم لأن الله تعالى يقول {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، فهذه الآية تنطبق على كل من أراد مكة المكرمة وبلاد الحرمين بسوء ومن منع حجاج بيت الله الحرام من الوصول إليه بأي طريقة أو وسيلة، فالله يحذر فيها أن ينوي أو يهم الإنسان بفعل معصية كبيرة أو صغيرة أو جرم مهما كان شكله فإنه إذا فعل ذلك فسيعاقب عليه، فما بالنا بمن يعمل ويخطط وأيضاً يدعم ويؤيد كل عدو حاقد كاره حاسد ثم يأتي بعد ذلك ويمنع من أراد أن يعبد الله ويطيعه ويؤدي ركناً من أركان الإسلام ومبانيه العظام الذي هو فرض يؤديه كل من استطاع. وما قيام النظام القطري بمنع الشعب من القدوم إلى المملكة للحج يدل دلالة واضحة على أن هذا النظام بشره وخبثه ومقاصده السيئة واستعانته بتلك الدولة الصفوية الفارسية الحاقدة أو غيرها ممن يقومون على هذا الطريق سيكونون وسيلة إلى نهايتهم بإذن الله تعلى، والمتأمل للمشهد يرى تطابق الموقف القطري مع الموقف الإيراني في تلك الدعاوى المغرضة لتدويل المشاعر، والادعاء بأن المملكة تحرم حجاجها من أداء المناسك، وهذا ما يكذبه الواقع والتاريخ، فلم تمنع المملكة حجاج أي بلد من القدوم للمشاعر وكانت تتعامل مع جميع الحجاج والزائرين كضيوف بمعزل عن مواقف دولهم السياسية حتى في عز الأزمات السياسية، فالحج عبادة وتقديس وليس شعارات وتسييسًا، وكل من أراد بلاد الحرمين الشريفين أو الحجاج والمعتمرين في أي زمان أو مكان بسوء أو شر أو إلحاد فسيخزيهم الله ويرد كيدهم. ومثل هذه الأعمال الخبيثة والمواقف القذرة تبرز ضرورة التوحد والتكاتف والتلاحم على مستوى الوطن الواحد، بل على مستوى العالم الإسلامي لمواجهة هذه التهديدات التي تهدد نسيج الأمة، وتستهدف مقدسات المسلمين ومشاعرهم، فالمسؤولية كبيرة، والواجب على جميع المسلمين في كل أنحاء العالم مقابلة هذه الأعمال والدعاوى المغرضة بالرفض والاستهجان، وشجب المساس بأمن الحرمين والدعاوى المغرضة لتدويل مشاعر المسلمين المقدسة والوقوف صفاً واحداً في وجهها خلف قادة هذه البلاد المباركة.