د. خيرية السقاف
الآن, بعض الكبار يقول إنهم يتعلمون من الصغار, حيث الصغير يتعرف ما استجد في حياته بشكل سريع فذهنه خالٍ, ومعارفه بكر, وقدرته على الاستيعاب يافعة, فهو يتعلم سريعًا كل ما تحتويه شاشة الحاسوب, وبرامجها, وتطبيقات الهاتف ومفاتيحها, وما يسمع, ويشهد, ويشاهد, ويقرأ, ويتلقى, فهو ميال بلمحة لأن يتلقى الجديد, ويقلد بلا تردد, ويتبنى بحماس, ويردد بلا مانع, ويقلد دون تفكير,
ثم يفكر كيفما يتلقى, ويقنع بكل ما يتعرف, ويعرف كل ما لا يعرفه هذا الكبير, الذي يلجأ إليه ليعينه على فك طلاسم هذا الغموض الذي يلفَّه, ويحتويه في سرعة برق الذي تغير, وهجم, وحلَّ في حياته لحظة بلحظة!..
هؤلاء أيضًا يقولون إنهم باتوا جهلة أمام صغارهم, ومتأخرين عن أي حديث داخلهم عقولاً, ووجدانًا, بل إنهم يجدون أنفسهم عثرة في طريق هؤلاء الصغار حين لا يكون الحوار بينهم إلا توجيهًا, ونهيًا, وتحذيرًا, ومنعًا, فخسر أكثرهم طيب العلاقة بينهم, بل انفصلت بينهم عراها....
هؤلاء أيضًا يقولون إن صغارهم فقدوا لغة الحوار معهم, وخلوا إلى أنفسهم, ونشأت بينهم أسوار بلا أسوار, يدونها قائمة حين يجلسون إليهم ولا يفهمون اللغة التي يتحدث بها صغارهم, ولا يجارون أفكارهم, وألعابهم, وملبسهم, وقصات شعورهم, إضافة إلى قناعاتهم, وسلوكهم, كما لا يلحقون بأوقاتهم, أو يمتزجون برغباتهم..
كل ذلك يقوله الكبار عن صغارهم بعد الفجوة الكبيرة, والشرخ العظيم الذي أحدثته بينهم متغيرات العصر المتسارعة, التي لم تمنحهم أن يدعموا جذور زرعهم, ولا أن يعرِّشوا ظلال أشجارهم, ولا أن يعمِّقوا مدى آبارهم, ولا أن يرسموا اتجاهات بوصلاتهم..
الكبار لا يفعل أكثرهم غير أن يحرك رأسه عجبًا, ودهشة, وهو يمنح صغاره نظرة طويلة مليئة بالحيرة, مفعمة بالتردد, ولعلها الحسرة, والخشية!..
بينما يبقى الأمر الأهم هو مدى تأثير كل المتغيرات في الذي يتعلق بصفو العقيدة فيهم, ومتانة قيمهم, وماهية ما يعرفون عن دينهم,
فما الذي لا بد أن يبقى, وما الذي لا بأس أن يتغير في سلوك كبار القادم من الأيام؟!..