د.مساعد بن عبدالله النوح
الحماقة في اللغة، مأخوذة من الكلمة الثلاثية (ح م ق)، وتعني فساد العقل، أو قلة العقل، وأَظْهَرَ حَمَاقَةً أَمَامَ النَّاسِ: أي قِلَّة العَقْلِ وَالشَّطَطِ فِي التَّفْكِيرِ، وتعني الحماقات في هذه المقالة بالسقطات المحتملة، أو الافتراءات، أو الدعوات، أو التهم المختلقة ضد المملكة العربية السعودية حيال جهودها في موسم الحج عبر وسائل إعلام (جهات وأفراداً ودولاً) معينة وشبكات تواصلها الاجتماعي؛ بهدف تضليل الرأي العام، وتشويه الصورة المستحقة لها نظير جهودها.
هناك حقيقة مؤداها، عندما تكون تصرفاتك تحت مجهر الخصوم، فتوقع ردود أفعالهم مضادة لإنجازاتك، وإن كانت تستهدف خدمة الجمهور المعني. هذه ليست مقولة افتراضية، تخضع للقبول أو الرد كما في النظريات العلمية أو الطبيعية. ويكفيك لتتمسك بهذه الحقيقة أنك تقدّم عملاً وفق أسس مدروسة تقبلها الأعراف العلمية، وعندها فلا يجب عليك أن تلتفت إلى أساطير وروايات المحلّلين الذين يبتعدون عن الموضوعية في تحليلاتهم؛ بهدف منع بروز الحقائق للعامة.
وهذا هو حال المملكة العربية السعودية، حيث تصادف كل موسم حج بافتراءات صادمة على الرغم من معرفتها لمصادر هذه الافتراءات ونواياها، فتتعالى أصوات هذه المصادر بهذه الدعوات. وقد قابلت السعودية هذه الدعوات بالتجاهل لبعضها، وبعضها الآخر بالرفض الرسمي المبني على ثقتها التامة بجهودها.
والسعودية وهي رائدة في الأعمال الإنسانية والإسلامية، ليست بحاجة إلى شهادة كائن من كان؛ لأنها تعمل وفق منهج علمي وعملي، وبالتالي لا تنتظر الشكر والثناء من أحد نظير رعاية حجاج بيت الله الحرام، وأعمال التوسعة التي تستوعب أعداداً مضاعفة قرينة فعلية على جهود السعودية بلا استثناء، وتحققت عملياً بتسمية ملوكها بخًدام الحرمين الشريفين?
لم تمنع السعودية أي مسلم من ممارسة حقه في أداء مناسك الحج مهما كانت جنسيته ومكان قدومه، لكن وفق شروط تتفق مع نظّمها وتشريعاتها التي تتناسب وخدماتها لضيوف الرحمن وترتيباتها الأمنية. والحملات المسعورة التي تشنّها جهات وأفراد ودول على السعودية، مؤشر على أنها وجدت موقفاً حازماً ولطمة كبيرة في وجه مخططاتها التي تم إفشالها، وقد استعانت هذه الجهات والدول بالمؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والهيئات الإسلامية؛ لتجيّشها ضد السعودية?
وبعمل بحث سريع، وعصف ذهني أولي، لكل التحليلات المتوافرة في مقالات صحفية وتدوينات في شبكات التواصل الاجتماعي عن مواسم الحج في الأعوام الماضية، تم رصد سقطات محتملة التكرار في موسم حج هذا العام، ومنها: محاولة الادعاء الكاذب بتسييس الحج، والدعوة إلى تدويله، وصعوبة تصاريح الحج، وارتفاع تكاليف الحج، وخدمات حملات الحج، وخطط التنقل في المشاعر المقدسة. وفيما يلي تفاصيل هذه الدعوات:
تسييس الحج، جاء في قاموس المعجم المحيط كلمة سيَّس بمعنى «إضفاء طابع سياسي لشيء، ما، فمثلاً إذا ما حاد نقاش حول مسألة غير سياسية، وأصبحت المساهمة فيه حسب الانتماء السياسي أصبح النقاش مسيّساً «. وعرف معجم المصطلحات السياسية كلمة التسييس بأنها «تربية المواطن وتنشئته وتوجيهه سياسياً وفكرياً، ومن ثم ترسيخ قيم، ومواقف، واتجاهات معينه، تتيح له الإسهام في الحياة العامة»، هذا هو التوجه العلمي والفكري لهذه الكلمة وهو معنى سامِ وهدف نبيل.
ولكن المعنى المراد والموجّه ضد السعودية هو العكس تماماً، حيث يتم توظيف «سيّس» بقصد شن مصادر معروفة هجوماً شرساً على السعودية قيادةً وحكومةً، والطعن في أهليتها؛ لاستقبال موسم الحج، والاحتفاء بضيوف الرحمن، من خلال توجيه وسائل إعلامها وشبكات تواصلها الاجتماعي بتوظيف حوادث وقعت في مواسم الحج الماضية.
لقد أصبح افتعال الأزمات، وصناعة الفتن منهجاً ثابتاً لدى هذه الدول، وعلامة مسجلة لتصرفاتها الحمقاء. وقد قابلها علماء الأمة الإسلامية بالرفض المطلق، وأكدوا أن لا يكون الحج وسيلة أو ظرفاً يستغله البعض لأهداف خاصة، تثير الأحقاد، وتوغر الصدور، وتفقد الحاج الأمن والسكينة المعيّنة على أداء نسك الحج على الوجه الصحيح؛ انطلاقاً من أن تسييس الحج أمر محرّم شرعاً، ومخالف للأنظمة المعمول بها في السعودية، منعاً من حدوث الفتن، وشق الصف.
تدويل الحج، جاء في قاموس المعجم الوسيط كلمة «دوِّل الأمرَ: جعله دوليًّا يخضع لإشراف دول مختلفة، ودوِّل المدينةَ: جعل أمرَها مشتركًا بين الدول كلّياً «، وتعني الكلمة على الحال السعودية، أن يكون الحرمان الشريفان والمشاعر المقدسة «تحت التحكم الدولي، وبناءً على ذلك لا يكون لدولة واحدة السيادة عليه، ولا تنظيم المناسك في الحج». وهذه السقطة استنكرها المسلمون والمنظمات الإسلامية في العالم؛ لأن القصد منها، ليس التنافس الشريف والتسابق الحميم بين الدول على العناية بالحرمين الشريفين، والشعائر الإسلامية، والحرص على ضيوف الرحمن، بقدر ما هو الحد من إدارة السعودية لهما تخطيطاً لترتيبات هذه الشعائر وتنظيمها، وتنفيذها، ومتابعتها، وتقويمها، وكل عام تتكرر هذه الدعوة من المصادر ذاتها.
صعوبة تصاريح الحج، استخراج تصاريح الحج، هي وسيلة فاعلة تتبعها الجهات الأمنية بإشراف المديرية العامة للجوازات مشكورة؛ بهدف رصد البيانات الديموجرافية للحجاج غير السعوديين المقيمين داخل السعودية، ومنع حدوث أشكال التحايل على الجهات الأمنية لأي غرض كان؛ لضمان سلامة الحجاج، وممتلكاتهم، ولسد الطريق على مروّجي شعاري تسييس الحج وتدويله. وشروط الحصول على التصاريح محددة في مكاتب الجوازات والموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية «أبشر». وسيخرج إلى منصات الإعلام من يختلق سقطة ضالة، حيث يتحجج بالتعجيز في هذه الشروط، وبالتالي اتهام السعودية بالرغبة المبطنة في منع المقيمين من الحج.
ارتفاع تكاليف الحج، الحج فريضة مقدسة على كل قادر لا بدنياً فحسب، بل أيضاً مالياً، وإذا كانت هذه المشقة يجدها بعض حجاج الداخل من السعوديين وغير السعوديين، فإنها تتعاظم للحجاج الوافدين من الخارج. فالحج سفر، والسفر كله مشقة باهظة. وستجد السعودية هذه المصادر المشبوهة تكرر دعوة تعالت نبرتها في الأعوام الماضية، وهي أن الحج أصبح سياحة، وأصبح عائداً للاقتصاد السعودي، وتناست هذه المصادر المشاريع العملاقة التي نفذتها السعودية والتكاليف الفلكية التي دفعتها على هذه المشاريع. ولكن خصمك إذا لم يكن موضوعياً، فلن ير إنجازاتك إلا تهوراً، ونفقاتك إلا تبذيراً، ثم يربطها بمشكلات المجتمع المحلي كالبطالة والسكن وغيرها، والأحقية في صرف هذه الأموال على وضع حلول لهذه المشكلات.
خدمات حملات الحج والعمرة، حملات الحج والعمرة معروفة الهدف والجهة المشرفة لدى حجاج الداخل، ولكن يلجأ بعض الراغبين في الحج إلى حملات محدودة الإمكانات؛ بسبب ظروفهم المالية، ويطالبونها بخدمات نوعية، وهذا في المفهوم العام البسيط ناهيك عن علم الاقتصاد غير مقبول، ثم تتعالى انتقادات حجاج هذه النوعية من الحملات بالتقصير والإهمال، فتجدها المصادر الحاقدة فرصة ثمينة؛ لإضافتها إلى قائمة الانتقادات ليس حرصاً في معالجتها، وإنما في التشفي والتقليل من جهود القطاعات الخدمية في السعودية.
خطط التنقّل في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، هي مدروسة من قبل قطاعات وزارة الداخلية ووزارة النقل وتمت وفق أهداف المشاريع التوسعية في هذه الأماكن المقدسة، ويقدّر الله أن يحدث خلل ما، تُلقي نسب كبيرة من وقوعه على جهل الحجاج في المقام الأول، ووجود حملات بين الحجاج تتسبب في تضليلهم، وبعض الحجاج ولاسيما من الخارج يكون بالفعل متوتراً، خشية وقوع ازدحامات تعوّقه عن أدائه بعض مناسك حجه أو عمرته، فتتلقفها المصادر المتربصة؛ لإضافتها إلى قائمة الافتراءات رغبة في شحن النفوس البسيطة والعقول الخاوية من مهارات التفكير الأولية ضد السعودية.
إن من يستحضر الحلم السعودي مهما طال، عليه في الوقت ذاته أن يستحضر الحزم السعودي بكل أنماطه ومستوياته؛ حيث إنها رائدة الأعمال الإنسانية والإسلامية، فلا تنتظر الشكر من أحد إلا كلمة الحق، ولا تتردد في اتخاذ قرار وإن كانت بمفردها في موقف ما… دمت يا بلادي منارة للعلم والعطاء.