د. محمد عبدالله الخازم
الشركات والمؤسسات تتفاخر بحصولها على اعتماد (الأيزو)، والمستشفيات تفخر باعتماد (سباهي)، والجامعات والكليات بالاعتمادات الأكاديمية المختلفة.. وهكذا هناك مرجعية في كل مجال، تخبرنا عن جودة الالتزام بحد أدنى من المعايير والتنظيمات والمؤشرات في مجالها. ماذا لو كان لدينا اعتماد للمنشآت صديقة أصحاب الإعاقات؟
هذا الاعتماد سيحث ويحفز ولاحقًا يجبر الجميع على تهيئة منشآتهم لتكون صديقة لأصحاب الإعاقات عبر الالتزام بالمعايير ذات العلاقة. بعض المعايير سبق العمل عليها في المملكة عبر مشروع الوصول الشامل الذي وضع المواصفات المتعـلـقة بسهولة التنقل والوصول لأصحاب الإعاقات بفئاتهم وأنواع إعاقاتهم كافة في المباني والطرقات ووسائل النقل ومرافق السياحة وغيرها. نريد أن نشكر مَن يتبنى وينفذ تلك المعايير، ونـبرز جهوده عبر شهادة تقدره كصديق لأصحاب الإعاقات. وقد تكون شهادة ذات نجوم أو مستويات، كأن تكون ذهبية وفضية وعادية، أو بنجمة ونجمتين وثلاث نجوم. نريد أن نرى اهتمامهم بتعليقها في مقدمة مؤسساتهم، ومستقبلاً يكون الحصول على هذا الاعتماد شرطًا للحصول على بعض الخدمات أو المميزات أو التسهيلات.
الفكرة ليست معقدة وإن رآها البعض خارجة عن المألوف. برنامج الوصول الشامل عمره تجاوز عشر سنوات، ودُعم من قِبل جهات عديدة، بما فيها الشؤون الاجتماعية التي أصبح لديها ذراع مهمة، قد تساعدها في تنفيذ مبادراتها في هذا الشأن، ألا وهي هيئة ذوي الإعاقات، والعديد من المؤسسات الحكومية الأخرى. كما أن لدينا العديد من المؤسسات الأهلية الداعمة التي لا يتسع المجال لذكرها، وسيكون تبنيها أو دعمها لمشروع اعتماد أصدقاء الإعاقة أمرًا إيجابيًّا.
أعلم أننا راهنَّا كثيرًا على التوعية وإدراك الناس، ولكن ذلك لا يكفي، ولا بد من محفزات إضافية كهذا المشروع الذي نطرحه، وكذلك عبر القوانين الملزمة. أطلق هذا الحكم من خلال تجربة طويلة، وأشير - على سبيل المثال - إلى إحدى محاولاتي في هذا الشأن: عندما بدأت جامعتنا الصحية في تخطيط مقارها طالبتُ بأن تكون صديقة لأصحاب الإعاقات، وإن احتاج الأمر للتعاقد مع جهة استشارية متخصصة في هذا المجال. لم يوضع اعتبار لدعوتي تلك؛ ربما لأنها غير مألوفة، أو اعتقادًا بأن مجرد قيام شركة كبرى بالبناء يعني ضمنًا التزامها بمعايير متقدمة في هذا الشأن. والآن بعد اكتمال البناء اتضح عدم تحقيق جامعتنا الحلم بأن تكون نموذجًا يحتذى به في هذا الشأن؛ لذلك لا أعول على مجرد افتراض توافر الوعي أو التثقيف، بل أطالب بمحفزات وقوانين ملزمة وواضحة.. فحتى الجامعة الصحية ومشروعها الحديث الذي أشرف عليه الأطباء، ونفذته كبرى الشركات في البلد، لم تسعفهم ثقافتهم ووعيهم في هذا المجال!
وقد نطالب مستقبلاً بأن يصبح هذا الاعتماد شرطًا سابقًا أو ضمن معايير الاعتماد الأكاديمي للجامعات والاعتماد الصحي للمستشفيات والاعتماد الهندسي للطرق والاعتماد السياحي للفنادق.. وهكذا. نطالب الجهات الحكومية ذات العلاقة بدعم الفكرة، ونناشد المؤسسات الأهلية، كمركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة وجمعية الأطفال المعوقين ومؤسسة الأمير سلطان الخيرية وبقية الجمعيات والمؤسسات ذات العلاقة، بالمبادرة نحو تبني ودعم مثل هذا التوجه.. ومَنْ يحُزْ السبق سيجني الحقوق الفكرية والعوائد المادية والمعنوية.