عبدالعزيز السماري
الصداقة والصحبة أقدم العلاقات الإنسانية، وأحد أهم الروابط الاجتماعية في حياة الإنسان، فالإنسان بطبيعته الأسرية والاقتصادية ينتمي إلى أواصر عائلية ومصالح عملية، لكن مع تقدم العمر يكتشف أنه ارتبط بصداقات قد تتجاوز في علاقاتها روابط الدم والأيدولوجيا والمصالح، وعلى الرغم من أن البعض قد يكون لديهم تعريف فردي خاص لما يجب أن تكون عليه الصداقة، إلا أن بعض الدراسات قدمت تعريفات قد تطيل من أمد الصداقة..
فمن هم الأصدقاء؟..الصداقة واحدة من أهم ميزات الحياة ومتعها، وغالباً ما يكون الالتزام بها من المسلمات التي تستمر من خلالها الحياة، والرغبة البشرية في الرفقة تستمر في مختلف مراحل العمر بلا حدود، لكن الأبحاث تشير إلى أن رأسمالنا الاجتماعي مع ذلك محدود، ولا يمكننا التعامل مع كثير من العلاقات في وقت واحد، والأهم من ذلك أنها تتضاءل في هذه العصر..
استخدم علماء الاجتماع عددًا من الأساليب المبتكرة لقياس حجم علاقاتنا مع الأشخاص؛ وكانت نتيجتها أنها تراوح ضمن تقديرات بين نحو 250 إلى نحو 5500 شخص، وعلى الرغم من أن شبكاتنا في العلاقات واسعة، إلا أن دائرتنا في الصداقة أصغر بكثير من ذلك، وفي المتوسط حسب الدراسات تصل دائرة الصداقة إلى نحو 10 إلى 20 شخصًا قبل عدة عقود.
لكن هذه الأرقام انخفضت كثيراً، ووصل متوسط عدد المقربين من الأشخاص في حياة الصداقة في بعض الأوساط إلى ثلاثة واثنين، ويعد ذلك سلبياً للغاية..وتعد ظاهرة التواصل الاجتماعي وثورة العالم الافتراضي أحد أهم أسباب ذوبان تلك الدوائر المقربة للشخص، وهو ما يثير التساؤل عن ماذا يجب أن تفعل إذا كانت حياتك الاجتماعية مفقودة؟
من أجل الخروج من العزلة أحرص على التعارف مع الآخرين، وعلى التفاعل مع الأشخاص الذين تربطك بهم علاقات اجتماعية ضعيفة، حيث يمكن للأصدقاء الذين تم إعادة الاتصال بهم أن ينالوا الثقة التي كانوا قد بنوها سابقًا معك.. فبناء صداقات جديدة أكثر عمقًا يحتاج إلى وقت أطول، فقد وجدت دراسة حديثة أنه يستغرق نحو 50 ساعة من التنشئة الاجتماعية للانتقال من التعارف إلى صداقة عارضة، و40 ساعة إضافية ليصبح صديقاً حقيقياً، وما مجموعه 200 ساعة لتصبح صديقاً حميماً..
الصداقات الناجحة، تلك التي تعني أولاً أن المتعة جزء أساسي منها؛ وعندما تكون صداقة الشخص مع شخص ما واجباً وليس تفضيلاً، تبدأ العلاقة بالضعف والتلاشي، كما أن بناء الصداقة ينطوي على المعاملة بالمثل في العطاء والأخذ، ولكن ليس بالمعنى الاقتصادي الصرف..، كما إن الإفصاح عن الذات يجعلنا أكثر مصداقية، وبالتالي أكثر أصدقاء..
تختلف مستويات الالتزام بالأصدقاء على مدى مراحل العمر، وباختلاف الأفراد، لكن دوماً ما تزداد أواصر العلاقة بتقدم العمر، وتتحول في المراحل المتقدمة إلى أكثر من متعة، ولكن إلى روابط دعم ووقوف في المواقف الحرجة، والإنسان بطبعه يبدأ صداقاته على أساس طوعي مع الآخرين، قبل أن تتحول إلى تحالف من نوع آخر.. ولعل الأهم من ذلك كله، هو أن الصداقة الحقيقية لا تزدهر إلا إذا كان هناك احترام متبادل بين الأصدقاء... فمن نختار كصديق؟