د. أحمد الفراج
كنت أفتش في أوراقي القديمة، وعثرت على قصيدة غازي القصيبي رحمه الله، التي كادت أن تسبب أزمة مع بريطانيا والدول الغربية عموماً، وهي القصيدة التي رثى فيها الشاعر الشابة الفلسطينية، آيات الأخرس، وبينما أنا أقرأ القصيدة، تمثّلت أمامي شاشة، استعرضت فيها حالات نكران الجميل، والهجوم الشرس، الذي تتعرض له المملكة، في محاولات بائسة للتشكيك في دعمها للقضية الفلسطينية، ثم تذكرت مواقفنا، نحن الطلاب السعوديين في أمريكا، عندما كنا نشارك في كل ما من شأنه الذب عن قضية فلسطين، وهو امتداد لتبرعاتنا، عندما كنا أطفالاً صغاراً، نتبرع بمصروفنا اليومي للأشقاء الفلسطينيين، وهو الذي كان يتم بتوجيه حكومي، تحت شعار: «ادفع ريالاً تنقذ فلسطينياً».
نعم، المملكة شاركت في صفقات قرن كثيرة، وليس صفقة قرن واحدة، وكانت صفقة القرن الأولى، عندما استشهد مجموعة من المواطنين السعوديين في أرض فلسطين، في حرب 1948، ومنهم سلطان بن عويقل، وشلاش بن عواد العنزي، وعلي بن وقيان الشمري، ومعهم محاربون كثر، منهم من روت دماؤه أرض فلسطين، ومنهم من قاتل ثم عاد، ثم تواصلت صفقات القرن السعودية - الفلسطينية، فوقفت المملكة موقفاً صارماً، أمام أعتى قوى العالم، وقطعت إمدادات النفط في حرب عام 1973، وهو الموقف، الذي لا تزال الأجيال تذكره، وتسبب بأزمة عالمية كبرى، سلطت الأضواء على أهل فلسطين وقضيتهم، ولم تتوقف صفقات القرن عند هذا الحد، فالمملكة، وطوال تاريخها، حرصت على أن تكون هذه القضية هي محور اهتمامها، وقد خسرت الكثير في سبيل ذلك، ولكنها مسألة مبدأ، لم تحيد عنه أبداً.
تحرص كل دول العالم على أن لا تُغضب أمريكا، ولكن، وفي صفقة قرن أخرى، قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله مخاطباً الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون: «للصداقة حدود يا فخامة الرئيس»، وكان ذلك عندما طلب كلينتون من الملك الراحل بعض التنازلات، بخصوص قضية فلسطين، ومن سيجابه أمريكا غير حكام المملكة، إذا تعلق الأمر بفلسطين، أما الملك سلمان فهو الذي تبنى هذه القضية، ولذا لم يكن مفاجئاً أن يقضي على ادعاءات الخصوم، التي تُردد بأن المملكة شريك بصفقة القرن المزعومة، وقبل ذلك كانت المملكة قد قدمت تبرعاً سخياً لأهل فلسطين، خلال القمة العربية الأخيرة، والخلاصة، هي أن المملكة، ومنذ عهد المؤسس رحمه الله، وحتى عهد الملك سلمان، كانت رائدة في عقد الصفقات مع الفلسطينيين (صفقات القرن)، ليس على طريقة طهران والدوحة، بل على طريقة الفرسان العرب، الذين يقولون ويفعلون، ويكون لأفعالهم آثار ايجابية كبرى، تتحدث عنها الركبان، ويرويها الأجداد للأحفاد!.