عبدالوهاب الفايز
من الآليات الجديدة التي دخلت على أداء القطاع العام قياس الأداء للأجهزة الحكومية، وهذه خطوه يتولاها جهاز مستقل يرتبط بسمو ولي العهد، وهذا يعطيه الاستقلالية التي تضمن حياديته، ويعطيه القوة السياسية التي تجهله إحدى الأدوات الضرورية لرفع كفاءة وقدرة المؤسسات الحكومية، وهذا ضروري لأن القطاع العام يواجه تحديات رئيسية، ومطالب بإنجاز مبادرات (رؤية المملكة 2030)، فالتحول مشروع كبير التزمت به القيادة أمام الشعب، مما يجعل إنجازه يتطلب الدعم وعدم التساهل والتهاون في إنجاز الأجهزة الحكومية لأهدافها ولمبادراتها ومشروعاتها المعتمدة في ميزانية الحكومة.
هنا نرى أهمية إدخال إليه جديدة، بأدوات علمية موضوعيه لقياس أداء الأجهزه الحكومية، يرعاها سمو ولي العهد وينفذها (المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة). من الأهداف الأساسية للمركز ليس فقط تقصي مؤشرات التنفيذ، فالهدف الأسمى ليس تقصي الأخطاء، فمشروع التحول لبلادنا، طبيعي أن تحدث الأخطاء في تنفيذه، ولكن الأهم الذي يركز عليه مشروع القياس هو (تحديد وتحليل المخاطر وأوجه الصعوبات التي تواجه الأجهزة العامة في مسارها لتحقيق أهدافها واقتراح الحلول المناسبة لمعالجتها).
القيادي في الميدان الذي تحيط به المتغيرات والتحديات العديدة ومطالب بإنجاز أهداف محددة، يحتاج الآلية التي تراقب مسار التنفيذ، وتتدخل في الوقت المناسب لتوجيه العاملين في الميدان لأية انحرافات تحدث بدون علمهم. هذه الروح الجديده تجعل المسؤول (يركز) على إنجاز المطلوب منه بدون الانشغال بإدارة (السياسة)، والانخراط في ترتيب العلاقات الإدارية والاجتماعية والشخصية، فالمرء لن يعمل بلقبين.. واحد للإنجاز والآخر لإدارة الصراع!
أيضا هدف القياس الوصول إلى معرفة مدى تحقق ما تريد الناس (المستفيدين) من خدمات الأجهزة الحكومية، فتحسين الخدمات الحكومية وتطويرها يتم عبر قياس جودة الخدمات ورضا المستفيدين عنها. هذه الآلية توجد عامل (ضغط موضوعي) على القيادات والعاملين معهم لإنجاز المطلوب، والجائزة الكبرى هنا هي: رضا الناس وسعادتهم بالإنجاز، وهذا هو ما يريده ولي الأمر، فرضا الناس واستفادتها من الخدمات هو معيار النجاح والبقاء للقيادي في موقعه، فالعقد الديني والاجتماعي الذي بين الناس وبين ولي الأمر روحه الأساسية هي: خدمة الناس ومصلحتهم.
والبحث عن رضا الناس ليس مجرد وعود وأمانٍ، بل هو هدف رئيسي. لتحقيق هذا الهدف أطلق مركز أداء مؤخرًا تطبيق (وطني) كإحدى الأدوات المعتمدة لقياس رضا الناس بيسر وسهولة، والتطبيقات الحديثة أثبتت فاعليتها لتلافي العيوب والقصور وتداركها، كما تقدم الفرصة لمكافأة المتميزين والمخلصين في عملهم. والتطبيق الجديد سوف يغطي (سوق العمل، والرعاية الصحية، والنقل، والتعليم، والأعمال والتجارة، والقضاء والرياضة والترفيه، والشؤون الداخلية، والخدمات والمرافق العامة)، ويندرج تحت هذه الفئات أكثر من 34 جهازًا حكوميًا.
عبر التطبيق ستكون الفرصة متاحة لتقييم بيئة العمل وجاهزية المكان، وسوف تتاح للناس تقييم الخدمة المقدمة لهم، وسرعة إجراءاتها، وبالطبع ستكون للمركز الآلية للتحقق من المعلومات المقدمة ومدى موضوعيتها وعدالتها بين الأطراف.
المهم الذي يجب أن نقف عنده لتعزيز التوجه الجاد الإيجابي لرفع كفاءة أداء القطاع العام هو ضرورة مباشرة المسؤول الحكومي الأوضاع الميدانية بنفسه، فهذا التطبيق الرقمي والإجراءات الأخرى المتبعة رغم أهميتها، لا تغني من وقوف المسؤول بنفسه للتعرف على الخدمات، (فالحكم على الشيء فرع عن تصوره). الموظف في الجهاز الحكومي قد تكون لديه المشاكل التي تمنعه من أداء واجبه، والمواطن المستفيد قد يكون له معاناته المستمرة التي لم يجد من يستمع لها، وتعدد مستويات اتخاذ القرار في الأجهزة الحكومية قد تمنع وصول المعلومة الدقيقة، وهنا تتراكم المشاكل وتعاني الناس.
الأمر الإيجابي هو أن الهدف من إدخال القياس ليس الرقابة وحدها، فلدينا أجهزة رقابية عديدة، الهدف هو (تنمية ثقافة الإنجاز والعدالة في قياسها)، فما أكثر المخلصين المحبين لبلادهم المتفانين في عملهم، هؤلاء حتى نحافظ عليهم ونوسع عددهم، نحتاج الآليات الحضارية العادلة حتى نقول للمحسن أحسنت، وهذا المهم.