هدى بنت فهد المعجل
التغيير المستمر للأفضل، ماذا نطلق عليه؟ وما مدى حاجتنا له؟ أفهم أن التطوّر عملية تغيير مستمر للأفضل أو الأصلح أو الأحسن الفهم المكتسب من إدراكي لفرضية التطور التي تقول: إن الكون كان في حالة بدائية وفي حالة فوضى وعدم نظام ثم انتقل بعد ذلك، وبعوامل ميكانيكية ومادية بحتة وبعوامل المصادفات العشوائية من الفوضى إلى النظام، ومن الحالة البدائية البسيطة إلى تركيب معقد وإلى نظام دقيق.
فظهرت النجوم وتولدت الكواكب والمجموعات الشمسية وتشكلت المجرات وعناقيد المجرات ووصل الكون إلى حالة النظام الدقيق والشامل الحالي، وإن هذا التطور التصاعدي إلى الأعلى وإلى الأفضل لا يزال مستمراً، فكل شيء نتاج تطور شيء آخر، وبالتالي فإن الإنسان نتاج لتطور الحياة تطوراً غير قابل للتراجع كما توصّل إلى هذه الفرضية عالم تطوري وهو يقول: يمكن تعريف التطور بمعناه الواسع كعمليات متجهة وغير قابلة للتراجع أساساً تحدث في إطار الزمن وتؤدي في سيرها إلى زيادة في التنوع وإلى نتاجات ذات مستوى عال من التنظيم.
بحيث يشمل التطور كل صور التقدم والنمو بدءاً من الأجرام السماوية وانتهاء بالإنسان. ولأن التطور نظرية علمية وفرضية مسلم أو متفق عليها، ولأنه سبحانه لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم احتجنا مراجعة أنفسنا في معضلة سيرنا في الحيّز أو المكان أو النطاق الضيق نفسه وفي الدائرة ذاتها دون محاولة الخروج منها حين لا نقدر على مد مساحتها بما يتناسب وحجم اتساعنا الفكري أو تمددنا الحضاري.
التطور بدأ بالكون وانتهى بالإنسان كي يواصل الإنسان تطوير ذاته، أو الفكر والموروث، أو التركة «البطريركية» و»المتريركية» تزامناً مع حرصه على تطوير مقتنياته الشكلية أو المظهرية أو «الديكوريشن» بحيث صرنا حدائق غنّاء تعبق بالمسك من الخارج، فوضى وعشوائية ونتانة تضخم بها الداخل. لماذا!!؟ لأننا فهمنا التطور فهماً خاطئاً واستمررنا على خطأ الفهم، وبالتالي نجد صعوبة في التفريق بين كلمة «التطور» وكلمة «التطوير»…!! بين الحال وبين الفعل الذي ينبغي الإتيان به كي نصل إلى ذلك الحال..!!
التطوير الذاتي والتطوير المجتمعي والتطوير الأسري وكل تطوير هو فعل نؤسس له أو نخطط معتمدين على بحوث وآراء ودراسات وأفكار ورؤى ونظريات حتى إذا انتهينا أو توصلنا أو زعمنا الوصول بدأنا في العمل بنية التطور ومواكبة سنة الله في الكون، فلا نكون كما ظُنّ فينا «نفسد في الأرض أو نسفك الدماء» بل نعمر الأرض عمراننا لعقولنا وأذهاننا وأحاسيسنا والأشياء من حولنا.
التطوير، الهدف الذي يصل بنا إلى التطور، ينبع من الذات منّا بحيث نتجاوز هفوات اللسان ونحن نتوهم التطور وندعي تطوير سلوكنا والعالم فينا، ولا أقول العابد، يتفوه بما لا ينبغي له التلفظ به فمن عبارة «أعلى ما في خيلك اركبيه» إلى «حامض على بوزك» إلى «فلان وأشكاله» وعبارات كثيرة نابية منحدرة تفوه بها علماء ولم تنقل لنا عنهم، يعرفون أو يعون أن أسلوب الله في الخلق التطوير والترقية وليس الارتقاء وحده قال تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} (سورة الزمر آية6).
أو قوله تعالى بما يشير إلى التطوير {وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (سورة الأنعام آية99). المعنى الذي قد يعجز عن إدراكه المفسر التقليدي في حين أن دارس علم تاريخ الأحياء أو الجيولوجيا يمكن لهذه الآية أن تدفعه للإسلام وهو الأعرف بالعلم الذي أشارت إليه الآية بما يختص بنظرية التطوير.
لو سألنا ذلك العالم الذي تطرقت له قبل قليل: ما مفهومك للتطوير؟ لكانت أبسط إجابة يمكن أن يأتي بها هي: عملية تغيير أو تعديل أو تحسين لشيء مقصود تقوم العملية على البحث والدراسة.
وسيكون مدركاً، أيضاً، أن للتطوير أساليب وأسساً وخطوات لا يتحقق التطور إلا بعد الأخذ بها. فهل «تمثلاً فقط» اعتمدت لجنة تطوير المناهج التعليمية على تلك الأساليب والأسس والخطوات وهي تضع بين يدي الطالب كتاباً تعليمياً صورة غلافه خسف بالمعلم من هرم «الرسالة» إلى ثرا أنكر «الأصوات»!!.