د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** لم يكن سفرًا عابرًا حين ألفى صاحبُكم نفسَه في مدينة «شفيلد» البريطانية لحضور برنامج إعلامي مكثف، ولحسن حظه أنْ كان مقدمُ الجزء الأهم في البرنامج خبيرًا إعلاميًا بارزًا عمل في ال «بي.بي.سي» وال « آي .تي. في» ثم افتتح مكتبًا استشاريًا خاصًا بالتعامل مع كبار التنفيذيين ومن فوقهم؛ يرسم لهم كيف يظهرون أمام جماهيرهم وكيف يلبسون وكيف يتحدثون، ومما قاله لنا: إن من ترونهم رموزًا مجتمعيةً ذوي مكانةٍ وإمكاناتٍ لا يعدُون أن يكونوا تلاميذ صغارًا أمامنا نأمر فيأتمرون ونقرر فينفذون.
** عرض صاحبكم حكايته مع «جون براند» في أحد كتبه فلا يعود إلى تفاصيلها، بل إلى الفوضى الإعلامية التي جعلت الجميع؛ علَوْا أم نزلُوا، يتقمصون صوت المسؤول وصورته وعباءته وتوقيعه ويحكمون على الشيء والشخص بما يسيء إليهما كما للوعي العام، بل بما قد يختطفُ الفكرة في اتجاهات فرعية أو هامشية أو مضادة وبما يحمله ذلك من تشتيت الجهد وإتاهة البوصلة وفقدان التوازن، ولنقارنْ: مسؤولًا تتنفسُ واجهتُه برؤية خبيرٍ قديرٍ جدير، وآخرَ يتنفس عنها ملايينُ انفتحت لهم نوافذُ «افتراضية» على شمسٍ لا تغيب إلا لتُشرق وحين تُشرق لا تغيب!
** لا يعنينا هنا صنعُ الشخص فلا قيمة للصيت في هذا المستوى، بل صياغةُ النص؛ إذ الأهم الصوتُ إثباتًا أو نفيًا أو إفصاحًا وإيضاحًا، وهنا تتجلَّى الحكمةُ من رسم خطوات المتحدث انعتاقًا من رسائلَ رماديةٍ في العالَم «السايبري» لا تحمل اشتراطات تقديم الذات والإنجازات.
** ورغم مرور عقود على تأسيس بعض أقسام الإعلام في جامعاتنا فإن حضورها في تضاؤل زاده انطفاءُ الإعلام التقليدي، كما هي غيرُ معنيةٍ أو ربما غير قادرة على تخريج صانعي الشخوص ومبدعي النصوص، والظن أن مآلها الإملاق فالإغلاق؛ فهل تتحاورُ في دواخلها ومع مخرجاتها سعيًا للتغيير والتطوير قبل أن تُوصدَ من خارجها؟
** لم يكن «جون براند» هازئًا ولا هازلًا حين قال لجمعنا - وكلهم إنجليز إلا واحدًا-: «إنهم تلاميذ»، وضرب أنموذجين برئيس الولايات المتحدة ورئيسة وزراء بريطانيا آنذك، ولعلنا نعي أن هذا التبدل يخدم قضايانا بهدوءٍ وضمن هدف، وبخاصة بعدما تكاثر الشانئون المشينون.
** لم تعد مخاطبة الجماهير كيفمائيةً لمن وجد في نفسه وقتًا للهذر أو مساحاتٍ للهدر؛ فلكل كلمة مسارٌ سيجدُ -عاجلًا أم آجلًا- من يدقق فيه ويتوثّق منه ويعلق عليه، وربما سخِر فئامٌ مما سحَر فئامًا غيرَهم، وبات حتمًا على الشركات الإعلامية كما المتحدثين الرسميين، ومعهم المسؤولون، أن يقرأوا اللغة المتحولة من النظام الرأسي إلى الانسيابية الأفقية فما عاد القومُ كما كانوا مثلما لم يعد الوسيط كما عهدنا، ولكل زمنٍ بوحُه ونوحُه وصداه ومداه.
** الصمتُ يورق حكمة.