د. خيرية السقاف
كالماء في قيمته للحياة, تسَّاقط مزونه فتروي, وتجف ينابيعه فتميت..
السقيا به خضرة, وحيوية, وإثمار, وعافية, ورواء, والحرمان منه يباب, فقحط, وعطش وجفاف فموت..
كل شيء في الخلق يحيا به, وينتشي, وكل شيء بدونه لا حياة..
كهذا الماء كرم الطبيعة في الأرض, ومن فوقها في سائر مخلوقات الله تعالى..
الإنسان الماء يعطي, وكلما أعطى أثمر حيث يمتد..
ربما يحسب المرء أن العطاء يقف عند مد اليد سخاء بالمال, وإن كان وسيلة لحياته ولمن يعطيه, لكن عطاء النفس أثمر, ومنحها أدوم, وكرمها أنفع وأجدى..
النفس المعطاءة لا تبخل بحب الآخرين, فالتكافل معهم, والاطمئنان عليهم, والصفح عنهم, والتصالح الدائم معهم, وجلب البهجة إلى نفوسهم, وتيسير المعاش لهم, وتمكين الصداقة معهم, وتأكيد الثقة فيهم, وبينهم, ومسالمة جيرتهم, وتوفير راحتهم, وتحقيق الأمان في عشرتهم,
النفس المعطاءة مصدر مِنح خير وسلام لغيرها من ذرة تراب تمشي فوقها دابة, لنسمة هواء تجوب في فضاء, لزفرة نفَس تصدر عن جوف..
شبيهة الماء هذه النفس المعطاءة المدرَّة, الزارعة الحاصدة, البانية المنشِئة, المطمئِنة المسالمة..
محض أمنية أن تُسقط مزونها بلا توقف, وأن تُسَيِّر غيمَها في الفضاءات تدر رواءً,
تُسقي حيث تمر..
لا جفاف, لا عطش, لا يباب, لا قحط..
إذ ما أشد حاجة البشر من بين المخلوقات إلى النفوس الشبيهة بالماء..