د. محمد بن إبراهيم الملحم
ذاكرة المدرسة متمثلة في ذاكرة المكان وذاكرة الصورة وذاكرة الأحداث يوازيها في القيمة ويساندها في الوظيفة ما أطرحه اليوم حول تراث المدرسة الرسمي والذي عادة يرمى في «الزبالة» أوعلى أحسن تقدير له «يحرق» وإن لم يحدث ذلك فهو يودع المخازن المغبرة في أفضل وأبهى حظ يناله، إنها سجلات المدارس وملفاتها ووثائقها، وهذه كلها تمثل تراث المدرسة وتاريخها وأحداثها ووقائعها وأناسها، كل منهم كان يعيش هنا من 6 إلى 7 ساعات يوميا ولمدة تقارب نصف أيام السنة، ثم ينتهي الأمر بهم لاحقا أن ربما يجود الزمان على بعضهم بسجلات مدرسية رميت في كرتون مغبر وجده أحد من ذوي الضمير الحي في أحد مستودعات المدرسة المهملة فأنقذه من الضياع وأخذه إلى أصحابه، وهذه السجلات أو الأوراق أو الشهادات مصدر مهم للمعلومات وأحيانا هي مصدر للصور النادرة (حيث كانت صورة الطالب توضع على استمارة أو شهادة التخرج من المرحلة) وربما عثر أحدهم على ملف كامل للشخص يرصد تاريخه الدراسي لكل سنوات المرحلة الدراسية فجاءه به فكأنما هو جاءه بكنز ضائع فقد الأمل فيه، هذه المبادرات من بعض المعلمين والإداريين (بارك الله فيهم وشكر الله لهم) ليست كافية لإنقاذ ذاكرة وتراث المدارس الرسمي.
المصيبة أن هذا التراث لن يبقى مخزنا على الدوام فربما يفنى في مناسبة انتقال المدرسة من مبنى إلى مبنى أو عند ترميمها ورغبة الإدارة القائمة آنذاك أن تتخفف من كم الملفات والسجلات الموجود فتتخلص من القديم ! وهكذا يقضي هذا التصرف «الإداري» على إرث المدرسة ! ربما نتقبل إتلاف سجلات العهد أو مراسلات الإدارة أو بيانات المشتريات اليومية والمقصف وما إلى ذلك ولكن لا نتقبل إتلاف معلومات الأشخاص كالطلاب والمعلمين وسجلاتهم وشهاداتهم وصورهم وما إلى ذلك مما هو مرتبط بتاريخ الفرد ومسيرة حياته، إن تطبيق أنظمة العمل الإداري بإتلاف ما مضى عليه عشر سنوات وإسقاطه على هذه الوثائق تطبيق عمياوي وجهل مطبق ينبغي أن يتوقف وأن تنبري الجهات المعنية بسن أنظمة خاصة بهذا النوع من الوثائق لحفظ إرث المدرسة الرسمي.
ينبغي أن يكون هناك تنظيم متكامل يضع على عاتق كل مدير مدرسة أن يحفظ هذه الوثائق ويصنفها ويضعها في أوعية مناسبة تحفظ في المدرسة بأسلوب يسهل الرجوع لها، وينبغي أن توفر المؤسسة التعليمية للمدرسة الأدوات اللازمة لذلك من برامج حاسوبية للتصنيف وتخزين الفهارس والأرفف والخزانات المناسبة لحفظ هذه الوثائق وسرعة الوصول إليها مع حفظها من الغبار والتآكل، كما أتمنى أن يقصر التنظيم الخاص بذلك دور المدرسة على ما هو خلال ثلاثين سنة الماضية أما ما هو أقدم فينقل إلى مركز الأرشيف المدرسي المركزي والذي يقام في الإدارة التعليمية لتوضع به تلك السجلات القديمة جدا.
إني أدرك أن هذا كله مكلف ويحتاج ميزانيات، لكنني أراه يستحق العناء فلا أسوأ من التفريط في التاريخ وإهماله، ولو تراخت (أو عجزت) عنه المؤسسة التعليمية فإني أقترح عليها (وهذا جهد المقل) أن تدعو الجماعات التعاونية والتطوعية لذلك فتلك الجماعات ستجلب الميزانية اللازمة من المتبرعين، وستقوم بالدور لكنها لن تقوم بوضع التنظيمات ومحاسبة المقصرين والمهملين في حق هذه الوثائق فهذه مسئولية المؤسسة التعليمية نفسها ولا يمكن أن يقوم به غيرها، وينبغي لها أن تبدأ بذلك في المقام الأول، فما حدث اليوم من التفريط في هذا التراث هو مسئوليتها الأولى وإن مارسه بعض أفرادها من مديرين ووكلاء مهملين أو مستهترين أو على أفضل وصف «غير متحمسين» للتراث والماضي والتاريخ.