علي عبدالله المفضي
لا خلاف على أن كل ما كُتب من الشعر بشكل عامودي لابد أن يخضع للوزن الدقيق واعتبار الخلل فيه عيبا في القصيدة، ومع هذا فإن الوزن فقط لايرفع من شأن أبيات موزونة بلا مضمون فالشعر ليس أن تجيد كتابة الشعر بل أن تقول شعرا حقيقيا ذا قيمة تستحق أن تبقى في ذهن ووجدان مستمعها وقارئها، ومن ثم القيام ببثها بين الناس كقيمة أدبية يعتز ناقلها باحتفاظه بها.
وهناك بعض القصائد الذهبية التي لا تطالها عوامل التعرية وتتخطى بكل جدارة كونها شعرا معبرا ممتعا بل تصل إلى ما هو أبعد وأعمق من ذلك حيث تمتلك قدرنها الادهاش ليس لسماعها لأول مرة، بل ربما لسماعها للمرة العشرين وما تزال بنفس الادهاش، وربما أكثر وقد تكتشف فيها ما لم تكتشفه في المرات السابقة وهنا روعة القصيدة التي يكتبها أو يقولها شاعر يمتلك موهبة أصيلة ووعيا عميقا، ويقينا أنها ستبقى شاهدا له لا عليه وأظن أن المتنبى أدرك من هو في دنيا الشعر وما قيمة قصيدته حين قال:
أنَا الذي نَظَرَ الأعْمَى إلى أدَبي
وَأسْمَعَتْ كَلِماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
أنَامُ مِلْءَ جُفُوني عَنْ شَوَارِدِهَا
وَيَسْهَرُ الخَلْقُ جَرّاهَا وَيخْتَصِمُ