علي الصحن
أولوية الهلال ليست محل نقاش، فـ (ليس يصح في الأذهان شيء - إذا احتاج النهار إلى دليل) وصدارة الهلال ليست مجالاً للمداولة، فلغة الأرقام لا تكذب ولا تجامل، حتى أولئك الذين يقللون من الهلال في مقالاتهم وبرامجهم، لابد أنهم تركوا يوماً أثراً يناقض كل ما يقولون، ولا بد أنهم في لحظة صفاء مع النفس والحقيقة، شهدوا بألسنتهم وأقلامهم للهلال بما يخالف رأيهم المعتاد!!
الهلال كتاب نجاحات مكشوف مفتوح، في قراءته متعة، وفي قصة تفوقه الدائم وحضوره المستمر دروس لكل باحث عن استمرارية النجاح.
مرَّت السنوات وبقي الفريق بطلاً، تغيرت الإدارات واللاعبون وهو ثابت في مكانه، تبادل منافسوه أدوار البطولة معه، وبقي في موقعه، حقق أرقاماً قياسية وتكفل بتحطيمها، ينهي موسمه بلقب ويفتتح التالي بآخر، وعندما يغيب لبرهة من الزمن، فإنه يصنع من هذا الغياب طريقة لافتة للعودة، يقطع بها فضول منافسيه، وترقُّب محبيه، وبما يجعله من جديد في مقدمة الركب.
مرت على الهلال لحظات غياب وانكسار، ظن معها البعض أن منابع النهر الأزرق قد نضبت، وأن نجمه اللامع قد خفت، لكنه لا يلبث أن يعود لتفجير ينابيع جديدة، يسقي أنصاره - الذين لا يضن عليهم بشيء - منها كؤوس الفرح، ويشع بطريقة لا يجيدها سواه، فلا يكون في متسع الفضاء نجم غيره!!
ولد الهلال قبل (62) عاماً ليكون بطلاً، تأسس الفريق على أرض صلبة، وشيدت أركانه بقواعد متينة لا تقبل الاهتزاز ولا الصدع، هذا التأسيس المتين كفل للفريق ديمومة الظهور، حتى تقدم بخطوات واسعة عن منافسيه، ونجح في بلوغ الرقم (57) من الإنجازات الموثقة، والحصول على لقب فريق القرن في القارة التي يتسيد منافساتها بـ (6) ألقاب، وهو رقم لم يصل إليه أحد، رغم غياب الفريق حتى المنصة القارية سنوات طوال.
يتفرَّد الهلال بصناعة الجديد، يبتعد عن التكرار، يرسم في كل مناسبة لوحة جديدة تبهر المنافسين قبل العاشقين، يحلو للفريق أن تكون له الأولوية في كل شيء، وأن يكون خارج الإطار التقليدي لكرة القدم بشؤونها وشجونها، وهو ما صيَّره في النهاية فريقاً مختلفاً لا يمكن الوصول إليه ولا المساس بمكانته!!
عشق الهلال لدى أنصاره مسألة مبدأ لا يمكن المساومة عليه، وإن غاضبوه يوماً في ظاهرهم، أو خاصموه لسبب في داخلهم، ففي وجدانهم صدى عجز بيت المتنبي الذائع الصيت (فيك الخصام وأنت الخصم والحكم)، لأنهم لا يستطيعون كتم عشقهم وهم يستحضرون صدر بيت آخر (مالي أكتمُ حباً قد برى جسدي...).. وفي مسائل خصومة الهلاليين دروس إدارية بالغة، فهم يختلفون على كل شيء إلا مصلحة الهلال، وهم يتجادلون بحدة من أجل الهلال، وقد يخسرون بعضاً حتى لا يخسروا الهلال، لذا فقد بقي الكيان في مأمن من خلافات أهله وخصوماتهم ونقاشاتهم وجدلياتهم، وهي الأمور التي تذوب في النهاية مهما بلغت حدتها، وهم يبتسمون لبعضهم البعض، ويتبادلون التهاني، وقائد فريقهم في مشهد معتاد يرفع كأساً جديدة في منصة التتويج.
ماضي الهلال مثقل بالذهب، والهلاليون لا يرضيهم أي مكان لفريقهم دون القمة، قبل يومين ابتكر الهلال طريقة جديدة لافتتاح الموسم، صافح محبيه، والتقى عشاقه، ونسج خيوطاً ربطت ماضيه بحاضره، في ليلة مختلفة (ازرقت) فيها السماء و(ابيضت) القلوب، ولسان حال الفريق يتحدث بأن مكانة الهلال الغالية ستظل عالية.
موسم صعب ينتظر الهلال، غير أن الهلال عوَّد الجميع بأن هوايته تطويع الصعب وكسر العراقيل وفعل المستحيل، وهو ما ينتظره مدرجه الكبير من جديد.