تهاني فهد الخريجي
إن النظرية البنائية الحديثة التي تهتم بمشاركة المتعلم في جميع مراحل العملية التعليمية؛ هي نفسها التي اهتمت بالطرق التي يمكن استخدامها لتحقيق الفهم القائم خلف العلم بالشيء, الذي لن يمتد أثره لفترة طويلة ما لم يكن المتعلم مشاركاً, وفاعلاً في الحصول عليه!
وكمفهوم عميق في عملية التعلم؛ في كل مرة يتحقق هدفاً رئيسياً فيها, يجب أن يتبعه السؤال: ماذا يعني العلم بالشيء؟! و بمعنى آخر: كيف يمكن أن نتحقق أنه حدث بالفعل؟!.
إن الوصول إلى الفهم الحقيقي بجوهر التعلم, نعم, يحقق أهدافاً عميقة الأثر تقف خلف العلم نفسه, ولكن بلوغ المتعلم لنقطة الفهم تلك لن تكون كافية لننادي بمخرجات جيدة, ما لم يكن هناك وصفاً دقيقاً لذلك الفهم, ووسيلة حقيقية للقدرة على قياس أثره وامتداد معناه بشكل واقعي!
لذا تعد الأسئلة المباشرة التي تستغرق أقل من 10 ثوانٍ للحصول على الإجابة؛ أسئلة غير جيدة, بل وضعيفة في إثارة مستويات التفكير العليا, أو ملامسة الجوانب الانفعالية العميقة للطلاب. وعليها يجب أن يكون الطرح شيقاً يدفع المتعلم إلى التفاعل مع المشكلات المطروحة وفي البحث عن إجابات على تساؤلات غامضة, طرحاً ينخرط المتعلم بالتفكير فيه لفترة, ويشعر به لأجل أن لا ينساه.
ولو تم سؤال مجموعة من المتعلمين عما يذكرونه مما تعلموه في المدرسة بعد مرور عشر سنوات من مغادرتهم لمقاعد الدراسة, فلن تجد إجاباتهم محصورة في أبعد من الأنشطة التي مارسوها بأنفسهم, والتجارب التي خاضوها بحب وفضول, والمعارف التي اكتشفوها بعد رحلة من التساؤلات والبحث. إنها كل تلك الأنشطة التي لامستهم بعمق فأحبوها, وارتبطت بانفعالاتهم فتذكروها, وحركت جزءاً عميقاً من مشاعرهم ومنطقة عليا من تفكيرهم.
ثم إن تفاعل المتعلم في العملية التعلمية بمشاعره, يحقق أثراً أبعد من مجرد احتفاظه بأثر العلم والمعرفة؛ ليجد فيه ذاته, ويساعده على الاستمرار في البحث والتفكير, ويكوّن دافعاً داخلياً للتعلم يثيره حبه لما يقوم به. فلا يطلب المعلم الجيد من طلابه أن ينجزوا عملاً فقط من أجله هو, بل إنه يثير دوافع انفعالية خاصة عند كل متعلم ليحب كل واحد منهم أن ينجز العمل ويحل المسائل, عندما ينفعل ليتفاعل, ويشعر ليستمر!
لذا, إن العلم بالشيء لن يكون ذا معنى, ما لم يتزامن مع الفهم الناتج عن مشاركة تفاعلية للحصول عليه. ثم إن ذلك الفهم الكامل لن يكون ذا جدوى ما لم نستطع قياسه, فيمكن رؤية أثره عند استعماله في موضعه. وكأحد الطرق التي يمكن استعمالها لنضمن تحقيق ذلك الأثر, من المهم جداً إثارة انفعال المتعلم من أجل تحفيزه للمشاركة والتفاعل عند عملية التعلم والاستمرار فيه بطريقة يجد فيها ذاته, تلامس مشاعره؛ فتحفز تفكيره ليستعمل ما تعلم, ويربط ما فهم, ويحل مشكلاته بنفسه؛ فيمتد أثر التعلم فترة أطول وأكثر جدوى!