د. إبراهيم عبدالله الحسينان
مهمة إصلاح التعليم لا تعني أن التعليم القائم فاشل بالجملة، ولكن الإصلاح عملية مستمرة وضرورية تفرضها التغيّرات الواقعية في الحياة، فالانفجار المعرفي مثلاً أحدث ثورة معلوماتية في مختلف الاتجاهات وعلى جميع الأصعدة، ولم تعد مصادر هذه المعلومات مقتصرة على جهات معينة وموثوقة؛ وبالتالي أصبح الفرد هو المسؤول الأول في عملية الانتقاء والاختيار؛ الأمر الذي جعل من مهارته وقدرته على النقد والفحص والبحث والإبداع هي الفيصل في الأمر. وهذا الأمر هو الذي دفع الكثير من المهتمين بالشأن التعليمي والتربوي لإحداث تغييرات في المنظومة التعليمية جعلت المتعلّم حجر الزاوية في هذه العملية. فمن دون بناء القدرات والمهارات الضرورية للمتعلّم في ظل الانفجار المعرفي والتغيّرات الاجتماعية والاقتصادية، لن يتمكّن الطالب من خدمة ذاته وتنميتها أو المحافظة على هويته، والمساهمة في إبقائه عنصراً فاعلاً في عملية تنمية مجتمعه.
إن بناء قدرات ومهارات الطالب يأتي انعكاساً للتغيّرات في الحياة العصرية، فأنا والعصر الذي عشت فيه، لست ابني والعصر الذي يعايشه الآن؛ وعلى هذا أصبحت النظرة موجهة لتحديد وبناء أهم المهارات والقدرات التي يحتاجها الطالب ليعيش عصره بسلام، وليكون عنصراً فعَّالاً في مجتمعه، وليحافظ على هويته؛ ولذلك تم التركيز على بناء مهارات الإبداع، والقدرة على النقد، والتعلم مدى الحياة، ومهارة نعلم كيف يتعلم، والتفكير في التفكير، والقدرة على حل المشكلات؛ كمتطلبات للعصر الحديث. ولهذه الأسباب تم إحداث ثورة في الأنظمة التعليمية طالت تغيّرات في إعداد المناهج، ودور المعلم، وتغير كبير في طرق التقويم.
ولقد تم التركيز بشكل كبير في إصلاح التعليم على تغيير منظومة التقويم التربوي التي كانت تعتمد بشكل كبير على الاختبارات أو التقويمات التقليدية التي تأتي بعد نهاية التعلّم واستبدالها بطرق بديلة. ولكي أضعك في صلب هذا التغير فقد تم التركيز على التقويم المعتمد على الأداء داخل الفصل وأثناء تعليم الطالب وليس بعد الانتهاء من تعليمه؛ ولذلك أصبح التقويم المعتمد على الأداء يخدم أمرين: الأول: تدعيم تعلّم الطالب وبناء مهاراته، والثاني: تدعيم عملية التدريس، فنتائج التقويم المعتمد على الأداء تصب في صالح كل من الطالب والمعلم. فعندما لا تعكس نتيجة الطالب المأمول يتم تقديم التغذية الراجعة له لتعديل ضعفه، وعندما يلاحظ المعلم ضعفاً في إحدى مهارات طلابه أو قدراته يسارع إلى إصلاحها وتدعيمها، وعندها أيضاً يفكر المعلّم باستخدام طرق بديله لتدريس طلابه الضعاف أو لبناء مهاراتهم وقدراتهم. إن الهدف الأساسي في هذا النوع من التقويم هو بناء الطالب معرفياً ومهارياً، والتأكد من الوصول لذلك.
ولقد تم أيضاً وفق التقويم المعتمد على الأداء استبدال الاختبارات (التقويم التقليدي) بطرق أخرى يتم من خلالها إعطاء الطلاب مهام تقويمية (كمهمة المشروع أو التقديم أو العرض الشفهي لموضوع معين أو البحث أو التجربة العملية، أو لعب الأدوار... إلخ)، ويتم تصحيحها وفق طرق قياس تناسب هذه المهام التقويمية (كقوائم المراجعة، وموازين التقدير، وقواعد التصحيح). والهدف من هذه المهام التقويمية يتعدى قياس الجوانب المعرفية إلى قياس المهارات والقدرات التي يحتاجها العصر الذي يعايشه الطلاب، أي أنها تدعم مهارات الحياة سالفة الذكر (كالإبداع، وحل المشكلات، والتفكير الناقد... إلخ). ولهذا فإن مهمة المدرسة الحديثة تغيّرت كثيراً عمَّا كانت عليه سابقاً، فلم يعد يذهب الطالب ويرجع إلا وقد مارس وتدرب على مهارة أو عدة مهارات حياتية، ولم يعد ينتظر هو ومعلمه وولي أمره المعركة الفاصلة فقط التي سوف تأتي في نهاية الشهر أو العام الدراسي (الاختبارات مثلاً). وكلي تفاؤل وأمل أن يعود ابني من المدرسة وأسأله بالإضافة عن ما تعلّمه واكتسبه من معارف، عن أيضاً المهارات الحياتية والقدرات التفكيرية التي تدرب عليها هذا اليوم؟. وأعتقد أنكم تشاركونني هذا الأمل.
وعلى هذا الأساس فإن إحداث أي تغييرات في مدارسنا لا يركز على إحداث تغير في منظومة التقويم التربوي واستبداله بالتقويم المعتمد على الأداء سيبقي المدرسة في مرحلة متأخرة عن الممارسات الحالية في التقويم الحديث، وسيجعلها أيضاً بعيدة عن وظيفتها العصرية.