د. خيرية السقاف
غدًا غرة ذي الحجة
والحجيج يتوافد بشغف الشوق, لغاية الاكتساب
الشوق لمكة حيث تتماهى معه مخيلاتهم:
كيف جاء محمد صلى عليه الله ما بقيت حياة, وصلى عليه كل من آمن ما لهجت قلوب!..
يتسابقون بأجساد على متون الأرواح تأتي إلى حيث ما أُمرَ وفعل, وعُلِّم فغرس, وحورب فغادر, وأطاع فعاد, وقُدِّر فهاجر..
الشوق لما بقي, وامتد, بما صدق وأوفى لكل من يستطيع إلى المكان سبيلا,
امتثالاً لأداءً الشعيرة من أقصى الأرض لهذه البقعة الرمز..
المقدسة بالاختيار, والمشيئة الربانية!!..
حيث يقدمون فهنا المكسب بعد السعي, والمحصلة بعد الوقوف,
والراحة بعد المثول..
ومكة غدًا في منتهى الفسحة, وبهجة الاستضافة..
فالحج موعد الوافد إليها للتطهير, والنجاة..
موعد فض أجنحة النفوس, وكشف أغطية المخبوء فيها..
بين القادم إليها ونفسه, وبينه وربِّه..
موعد لا يخيب فيه قاصد يبوء بذنبه, ويتذذل بعبوديته, ويرجو بثقته,
ويعترف بفضل الله عليه..
غدًا غرة ذي الحجة حيث عرفة, وتجلي البياض, وشغف الدموع, وكسر الأسوار,
ومنتهى الخنوع,
حيث التعرُّف على الذات, وبشرية الصفات,
حيث نزع اللثم, وبسط الكفوف, وإذلال الجباه,
حيث بسط الحقائق, ومساواة البشر, واليقين بالنهاية, والتبصر بالواقع, والتأمل في المآل..
حيث رجاء الغني في الأغنى, وطلب الموسر والفقير سوية من الأقدر,
واستلهام المغفرة من المذنب والمصلح معًا عند العليم, وانتظارها منه الرحمن الرحيم..
غدًا يبدأ اليوم الأول من العشرة المباركة..
الخفق شوقٌ, والشوق شغفٌ، والوفود قلوبٌ..
حج «مبرور, وسعي مشكور»..
فالرب كريم, وعفو, وغفور..