د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عندما نغمس القلم في المداد لنتحدث عن التعليم وآمالنا فيه فدائمًا ما تعلو وتيرة الحديث عن إتقان المتعلمين مهارات القراءة والكتابة؛ وكلما ارتفعت منصات الحراك في أروقة التعليم كان نصيب الفهم القرائي في آخر المراكب، وهو في الحقيقة الأول والآخر! فالتعليم بإيجاز «متعلم يقرأ ليتعلم، ويكتب كل شيء يجب عليه تعلمه، وما يهواه أيضًا». وتطوير التعليم يتشكل من خلال تطوير التلقي القرائي فحسب، ومنه إلى بوابات العلوم كافة. وتحقيق الإتقان لمهارات القراءة والكتابة من متكآت النجاح الكبرى لحراك وزارة التعليم في المجالات المكملة الأخرى التي تربع كثير منها دون أولوية!
ولقد نشرت وزارة التعليم على بعض منصاتها الإعلامية وفي بعض الصحف المحلية تقريرًا عنوانه (ماذا تقول الدراسة الدولية للقراءة pirls عن ممارسة المعلمين السعوديين لإستراتيجيات الكتابة؟). وكشفت الوزارة من خلال البيانات عن تدني الإتقان للمهارات القرائية في الصف الرابع الابتدائي بما نسبته 34 % من عدد الطلاب. واستندت الوزارة في ذلك إلى بيانات اختبارات «pirls» العالمية التي تعتمد على مهارات عليا في القراءة، تتطلب استجابات ذهنية معقدة عند الطلاب. وجاء ضمن ثنايا التقرير مقارنات لبيانات بعض الدول مع طلابنا. وأرجعت الدراسة التفوق في الفهم القرائي عند تلك الدول إلى مداخل عدة، منها مدخل الكتابة كأبرز عنصر معزز للفهم القرائي. ثم تطرق التقرير للمداخل الأخرى. ولن أتوقف عند تفاصيل ما نشرته وزارة التعليم إلا أنني أبارك هذا الوضوح التربوي؛ فهو من منارات الوصول إلى التصحيح بإذن الله. وأكدت الوزارة عزمها على ردم الفجوة بين معدل تحصيل الطلاب السعوديين ونظرائهم في البلدان المتقدمة (كما ورد في بعض ما نُشر). ومن خلال اطلاعي على توجهات الوزارة في هذا الشأن وجدت منعطفات ستكون آمنة في عمق المطلب القرائي بإذن الله.
وأرى موضوع الضعف القرائي في جملته وتفاصيله من أحاديثنا التعليمية المكرورة التي احتشدت بها الملتقيات والمنتديات وأضابير المكاتب منذ سنوات في تقارير وصفية مسطحة، مستندها استبانات سريعة. وما زال النتاج متدنيًا استنادًا لمحصلة نتائج المقاييس الدولية. وهي مشكلة عميقة، تنمو مع أصحابها؛ فالضعف في الصفوف والمراحل الأعلى لا تنكره العين المجردة؛ فليت الوزارة الموقرة تحتكم للبحث العلمي الصادق بطرح المشكلة لدراسة تتبعية طويلة، تُبنى على منهجية علمية دقيقة، وبيانات تراكمية وتفصيلية دقيقة من محصلة سنوات. وحبذا أن يُصطفى معلمو القراءة من مصافي الجامعات وأروقتها المتينة. كما أرى من الأهمية الاهتمام الأكبر بمعالجة الفجوة بين مقررات تدريس اللغة وأدوات التقويم؛ فالمطروح أمامنا مقررات تبني المهارات في مستواها الحرفي فقط المتمثل في التعرف على المقروء؛ فالأسئلة لا تتجاوز ذلك المستوى، وتغيب إلا لمامًا المستويات العليا من التقويم «الاستنتاج والتحليل والنقد..». كما أ ن محددات التقويم غير واضحة للطالب أولاً، والمعلم ثانيًا، والأسرة التي هي عضيد للمدرسة أيضًا، خاصة في المرحلة الدنيا من المرحلة الابتدائية. وكما نعلم، للتقويم معايير يجب معرفتها وإتقانها، مثل الجوانب المعرفية الملزمة الأخرى. والمتتبع للتخطيط والسياسات التربوية يعلم أن خبراء التعليم القائمين على صناعة معايير المحتوى ومعايير الأداء لمجالات التعلم يضعون المعايير كحزمة ملزمة لجميع مَن له علاقة من المنتسبين للرابطة التعليمية (الطلاب والمعلمون وصانعو المناهج)؛ فمن الملزم لصانعي المناهج ومنفذي السياسات التعليمية أن لا يتجاوزوها كحزمة مرتبطة بكل التفاصيل المعرفية والتنظيمية لعمليات التلقي المعرفي..
ونأمل من الوزارة في حراكها الجديد ترقية الذائقة القرائية، ورفع مستوى موضوعات القراءة؛ فهي هشة ضحلة، لا تسعد الوجدان، ولا تغذي العقل بما يتناسب مع واقع الطلاب ومستجدات عصرهم الفوار. ونرقب عودة الاختبارات النهائية في جميع مقررات القراءة في الصفوف الابتدائية والمتوسطة، ومقررات القراءة في النظام المشترك «المقررات» أسوة بالمواد الدراسية الأخرى؛ وهذا داعم لطلابنا في اختبارات القدرات التي تركز على المحصلة اللفظية واستيعابها. ونأمل كذلك التفاتة قوية لمرشدي القراءة في مكتبات المدارس؛ فهم ينشدون الدعم ببرامج ثرية، تعينهم على قيادة الطلاب نحو القراءة الحرة المستوعبة.