مها محمد الشريف
إن أهم ما نريد تسجيله هنا أن العالم في تشكيل مستمر ومتنامٍ ومتغير، وبعناصر مجتمعة لن تُشيد أي حضارة ترتبط بالأسماء والأشخاص السابقين على غرار العظماء والقادة في الماضي؛ ويستحيل ذلك في وجود مستعمر ومحتل؛ فالمصلحة تكاد تكون أحادية، وفي تناحر مستمر؛ يريد الكبير تفتيت الصغير، والاستيلاء على موارده؛ ليس للحاجة بل من أجل الاستعمار والانتقام.
غضبت أحزاب إسرائيل السياسية من اعتراف كولومبيا بدولة فلسطين؛ فهي على علاقة جيدة بهذه الدولة اللاتينية التي اعترفت مؤخرًا بدولة فلسطين؛ إذ تعد أمريكا الجنوبية من أكثر الأقاليم المؤيدة لهذه القضية؛ وهذا ما يضعف صلابة وتكتيك إسرائيل؛ لأنها لا تملك الاستراتيجيات ولا المعايير بتطبيق قرارات الأمم المتحدة وإرساء قواعد السلام، ومن الناحية الأخرى تحشد جنودها وطاقاتها لإثارة الفوضى والجدل لتغييب الحق والعدالة على الأرض.
لا يسع الفرد في هذا العالم المتناقض إلا إقامة دولة للذات، غايتها تحقيق الوئام والأمان، فلا تطلب من الكون أن يعطيك معنى؛ فليس من معنى سوى ما تحمله في ذاتك، ولقد كانت حكمة «شكسبير» التي وضعها على لسان شخصيات رواياته التي يرددها ويرويها الناس في كل زمان؛ إذ تؤكد أن أشد المآسي قسوة في أعماله لا تخلو من لحظات تردد وتعريفات ملتبسة، لا تلبث أن تنقضي.
وتراجع كولومبيا بعد اعترافها يزخر بالهزل المكشوف، وهو يصور الحياة التي تنبض في صوت مكتوم على توقيع العواطف والرغبات، والمتناقضات، بلغة تتسم أحيانًا بالغرابة، وأحيانًا أخرى بالعاطفة؛ وهو ما أكسب أعماله طابع المأساة العالية والتأثير الأساسي بين المظهر والجوهر؛ ليكون كينونة المنطق، وسببه الدائم للوجود ونشر نتائج الصراعات وفلكها الذي تسير فيه بشكل مبهم ومثير في آن واحد.
يجب القول هنا إن السياسيين في كولومبيا غالبًا ما يرغبون في عكس ما يظهرون تبعًا للعلاقة الجيدة مع فلسطين وإسرائيل، ولكن تظل غاية كل مرحلة الاحتواء الكامل والخوف من الدخول في متاهات مع حلفاء إسرائيل، وبطبيعة الحال لا يعول العالم على عدو محتل يحارب شعبًا أعزل بجيش يحمل أحدث الأسلحة، ويدعو إلى مواصلة عملياته في قطاع غزة، ومزيد من التصعيد.
فقد أصبحت كولومبيا محورًا للأخبار والأحداث خلال الـ24 ساعة الماضية؛ فقد أعلنت اعترافها بدولة فلسطين، وفي غضون ساعات اعترفت بفلسطين، ولكن غيرت موقفها. لا شك أن هناك ضغوطًا كبيرة جعلتها تتردد؛ فموقف الاعتراف أثار قلق وسخط إسرائيل حتى طلبت من كولومبيا تفسيرًا حول هذا الاعتراف. وبناء على تلك الحاجة الملحة نجزم بأن خوفها وقلقها ارتبط بالجغرافيا السياسية وهيمنتها، والدور الذي يقوم به المحتل باقتراف المذابح، وتصادم حاد أدى إلى اقتراف المزيد من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، وإرساء مفهوم السيادة على أرض محتلة، وعزلها، وعرقلة الاعتراف بدولة فلسطين.