د. عيد بن مسعود الجهني
اللجوء إلى التحكيم بالغ الأهمية في وسائل فض المنازعات في ميدان التجارة الداخلية والدولية مع ازديـاد التقدم العلمي والتكنولوجي وازدياد الاتصالات فزادت الحاجة إليه للفصل في المنازعات سواء كان هذا الاتفاق قد تم إبرامه قبل حدوث النزاع في شكل مشارطة تحكيم أو نص عليه في أحد مواد العقد الأصلي.
ومعروف أن الذي يقوم بالتحكيم هم المحكمين سواء كان محكما واحدا أو ثلاثة محكمين فالقاعدة أن يكون وترا، والمحكم لا يلتزم بتطبيق قواعد شكلية أو إجرائية على النحو المتبع أمام المحاكم - وذلك لاعتبارات عديدة.
لذلك فإنه يمتاز بتحقيق السرية والمرونة واليسر وعدم العلانية كما أنه يضع أمام أطراف النزاع حلا مناسبا يتفادى إلى حد كبير الشكليات الإجرائية المتبعة في إجراءات التقاضي المأخوذ بها أمام المحاكم إذ يطبق المحكم ما يراه ملائما لحل النزاع دون التضحية بالضمانات الأساسية للتقاضي التي تتمثل في احترام حق الدفاع والمساواة بين المتقاضين لضمان عدالة الحكم.
لهذا ثمة أسباب كثيرة تؤدى بالمتخاصمين إلى تفضيل طريق التحكيم عن طريق القضاء لاتسامه بالسرعة والسرية.
ومن هنا أصبح شرط التحكيم من الشروط المألوفة في العقود التي يبرمها الأفراد والشركات والحكومات مع الشركات وخاصة شركات البترول والغاز ـ ولذا أصبح اللجوء إلى التحكيم مرغوبا فيه عن طريق مشارطة التحكيم.
ويتميز التحكيم عن القضاء بالمزايا التالية:
1-بساطة وسرعة الإجراءات:
أوضحنا أن المحكم لا يتقيد بإجراءات التقاضي العادية من شكليات في الجلسات ومواعيد الحضور وإجراءات كثيرا ما تتسم بالبطء وتعدد درجات التقاضي من استئناف ونقض وتمييز، بينما في التحكيم فإن المحكم يتفرغ للنزاع المطروح عليه ويتولى دراسته وفقا لخبرته العلمية والعملية في إطار الأخلاقيات والعرف السائد لكل نشاط معين.
ولذا فإن التحكيم على عكس القضاء يتسم بالسرعة في الفصل في النزاعات المطروحة عليه وسهولة إجراءاته وتفادي الكثير من العقبات خاصة الخضوع لنظام قانون دولة معينة، حيث لوحظ أن القاضي الوطني قد يغلب في بعض الأحيان المصلحة الوطنية، بغض النظر عن البحث عن العدالة المجردة من أي اعتبار آخر.
2ـ توفر الخبرة لدى المحكم:
الأساس في اختيار المحكم أن يكون من أصحاب الخبرة الواسعة في موضوع النزاع المطروح عليه بحيث يمكن الاعتماد على رأيه في حسم الخلاف الدائر بشأنه فلا يشترط فيه بالضرورة مؤهلات شرعية أو قانونية أو هندسية أو محاسبية لأن الشرط المطلوب في المحكم هي الخبرة والصلاحية المهنية والدراية بالأعراف الجارية في حرفة أو مهنة أو نشاط معين وما لم تتوافر لديه هذه الخبرة فإن المحكم سوف يتطلب بحث نقاط النزاع بواسطة خبير وتقديم تقرير عنه الأمر الذي يؤدي إلى تأخير الفصل في النزاع.
3ـ التحكيم أداة لتشجيع النشاط التجاري:
باتساع مجالات التجارة الدولية وازدياد أهميتها في العصر الحديث صار التحكيم عنصرا أساسيا ومؤثرا في النشاط التجاري والاقتصادي على المستوى الوطني والدولي على نحو يؤدي إلى تدعيم العلاقات التجارية ويزيد من أثرها وفعاليتها وإن الجزاءات التي تفرض ذات طابع خاص ينطوي على اعتبارات أخلاقية ومهنية وحرفية عادة ما تلتزم بها أوساط التجارة في معاملاتها بأسلوب ينطوي على البساطة يتفادى إجراءات التقاضي الطويلة التي تستغرق وقتا طويلا ولهذا يجد المتنازعون أن من مصلحتهم اتباع طريق التحكيم والاتفاق في عقودهم أو في مشارطة التحكيم على الجهة التي تتولى التحكيم في النزاع القائم بينهم أو الذي يقوم بينهم في المستقبل كما يتفقون على القواعد التي يرتضونها في التحكيم باعتباره أداة للثقة والطمأنينة مما ينعكس إيجابيا في المجالات الاقتصادية على المستوى الوطني والدولي.
لذا نجد أن التحكيم توسع في المجال الوطني كما توسع في المجال الدولي مع ظهور العولمة وتدفق الاستثمارات وحرص الدول على تشجيع الاستثمارات الأجنبية.
ولذا قامت العديد من الدول بتعديل بعض قوانينها لكي تتلاءم مع روح العصر وما تتمخض عنه المعاملات التجارية في ظل العولمة ونظام منظمة التجارة العالمية، وفي هذا دعم لأهمية التحكيم التجاري الدولي الذي أصبح الملاذ الأفضل لإيجاد الحلول المناسبة أمام المتنازعين على نحو يتفادى الصعوبات والتعقيدات التي قد توجد في القوانين والأنظمة الداخلية.
ومن هنا قامت الدول بتنظيم التحكيم ووضعت له القواعد والشروط والنصوص الواجبة لنظر المنازعات وطريقة تنفيذ أحكام المحكمين دفعا لعجلة الاقتصاد الوطني وحداثة المؤسسات والشركات ورجال الأعمال والمصدرين والمستوردين في التغلب على أية مشاكل واختلافات تظهر أثناء تنفيذ العقود، فتجد لها أيسر الحلول دون اتباع الإجراءات القانونية التي يشوبها التعقيد إذا ما لجأ المدعى إلى قاضيه الطبيعي.
كما أن المنظور الاقتصادي الملموس في معظم الدول وحرص الدول على استغلال ثرواتها وخاصة في مجال التنقيب والاستكشاف عن البترول، فإن وجود العنصر الأجنبي في العقود صار أمرا مشجعا للمستثمر الأجنبي على إيثار التحكيم فلهذا قلما يخلو عقد من عقود التجارة الدولية دون أن يتضمن نصا صريحا على التحكيم.