د. أحمد الفراج
تحدثنا في المقال الماضي عن الفارق، بين فلسفة «المثالية» في السياسة، التي ينتهجها اليسار الغربي، وهي الفلسفة، التي تبنّاها أوباما، على حساب «الواقعية»، وكانت نتائجها مدمرة، خصوصا في الشرق الأوسط، وقد ورث رئيس وزراء كندا، جستن ترودو، هذه الفلسفة، وهي فلسفة تتجاهل حقيقة الاختلافات الثقافية بين الشعوب، كما تتجاهل قضايا الأمن والإرهاب، إذ حدث أن استضافت بعض الدول الغربية مطلوبين للعدالة في بلدانهم بتهم الإرهاب، وذلك من باب حقوق الإنسان!، ولا يمكن أن ينسى المتابع قصة الإرهابي، الذي استضافته بريطانيا، وصرح من أراضيها بأن بريطانيا بالنسبة له مثل المرحاض، يقيم فيها للضرورة!
لا يمكن أن يكون الغرب، مهما كان يساريا، بمثل هذا الغباء، الذي يجعله يستضيف تكفيريين، يؤمنون بالحرب على الغرب ذاته، ومن هذا الباب تصبح بعض دعاوى حقوق الإنسان عرجاء مشوهة، تختلط فيها مفاهيم راقية، مثل الحرية وحقوق الإنسان، بمفاهيم سياسية واستخباراتية، تجعل المرء يتيقن من تسييس كل شيء في عصرنا الحاضر، فالغرب ليس ساذجا، ولا يمكن أن يستغفلنا أيضا، وعلاوة على ذلك، فإن سياسة كندا فيما يتعلق بحقوق الإنسان انتقائية، فهي لا ترى انتهاكات حقوق الإنسان في ايران، ولا ترى أجساد الأبرياء معلقة على الرافعات في شوارع طهران، وتتجاهل تماما انتهاكات نظام بشار الأسد المرعبة، ثم تدس أنفها في قضية ايقاف بضعة مواطنين سعوديين، ويجب التنبيه هنا إلى أن لكندا تاريخ طويل بمثل هذه التدخلات الرعناء.
هل تعرفون مواطنة كندية، اسمها مونيكا شيفر؟، ولا تقلقوا، فكندا، ممثلة برئيس وزرائها ووزيرة خارجيتها لا يعرفونها أيضا، فكندا، التي دسّت أنفها في قضية داخلية سعودية، تتجاهل تماما مواطنتها مونيكا، التي تخضع لمحاكمة في ألمانيا، وقد تسجن لمدة خمس سنوات، بتهمة إنكارها للمحرقة النازية!، فلم تجرؤ وزيرة خارجية كندا، أن تطلق تصريحاً واحداً، ولو بلغة ناعمة ورقيقة، يطالب بالرأفة بمواطنتها الكندية، وليست مونيكا هي الوحيدة، فهناك قضايا أخرى لا نعرفها، تؤكد الانتقائية في سياسات كندا الحالية، التي تمثل اليسار المثالي في أسوأ صوره، والخلاصة، هي أننا نرحب بمن يهدينا عيوبنا بالطرق الدبلوماسية، وحسب القوانين التي تحكم علاقات الدول، أما التدخل الوقح، وبطريقة انتقائية فجة في شؤوننا الداخلية، فهو أمر مرفوض، وسيواجه بكل حزم!