خالد بن حمد المالك
بين يدي تقرير مهم عن معاناة القطاع الصحي في كندا بسبب سحب الأطباء السعوديين، إثر تدخل وزيرة خارجية كندا في الشؤون الداخلية للمملكة، واعتبارها أن الموقوفين السعوديين بجرائم تمس أمن الدولة هم أفراد تم إيقافهم لأنهم نشطاء في المجتمع المدني السعودي، وبالتالي تطالب وزيرة خارجية كندا بإطلاق سراحهم فوراً.
* *
فندنا الموقف الكندي في أكثر من مقال سابق، وأعدنا الاتهام إلى الحكومة الليبرالية في كندا، بأن حقوق الإنسان هو الذي لا يتم احترامه في كندا وليس في المملكة، بالدليل الثابت والقاطع، وأن الموقف الكندي من المملكة موقف مسيَّسٌ، ويندرج ضمن مفهوم التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، ولا علاقة له بحقوق الإنسان فيها.
* *
مقال اليوم سوف أخصصه لحجم التأثير الموجع الذي تلقته كندا إثر سحب جميع المبتعثين والمتدربين السعوديين في كندا وبينهم عدد من الأطباء، وذلك في تقرير بثه تلفزيون (سي. بي. سي) وأشار فيه إلى مجموعة من النتائج المؤثِّرة في خدمة المرضى في المستشفيات هناك، وفي الخسائر المادية والبشرية التي سوف تتعرض لها المستشفيات بسبب إخلائها من الأطباء السعوديين.
* *
يقول التقرير إن القطاع الصحي في كندا يسابق الزمن لوضع خطط بديلة وعاجلة للتعامل مع هذا الوضع، فهذه هي المرة الأولى التي تفقد فيها كندا هذا العدد الكبير من الأطباء في وقت واحد، خاصة وأن هؤلاء الأطباء السعوديين كانوا يدفعون نفقات تدريبهم التي ظلت تمثل عائداً كبيراً للقطاع الصحي في كندا.
* *
في التقرير معلومات مهمة، فهذه مجموعة مستشفيات (هاملتون) للعلوم الصحية، وهي ثاني كبريات المجموعات الطبية في كندا، تتحدث عن مغادرة أكثر من 153 طبيباً سعودياً، أي أن المجموعة - والكلام لمديرها التنفيذي روب ماكلساك - مرشحة لفقد 15% من طاقم الأطباء بمستشفيات المجموعة البالغ عددها سبعة مستشفيات، بالإضافة لمركز متخصص في أبحاث السرطان، وأن ميزانية المجموعة لا تتحمل هذه الخسائر الكبيرة.
* *
أما كاري بومان اختصاصي علم الأخلاق الحيوي بالمجموعة، وهو الذي يشرف على تدريب الأطباء السعوديين بكندا منذ فترة طويلة، فيرى أن هؤلاء الأطباء ذووكفاءة عالية، وظلت المجموعة تستفيد من خدماتهم دون تكلفة على كندا، إذ تتحمل الحكومة السعودية نفقات تأهلهم بصورة كاملة.
* *
وفي شأن آخر، وحول الأوضاع السيئة التي سوف يعاني منها القطاع الصحي الكندي بسبب سحب الأطباء السعوديين، أورد التقرير على لسان أندرو بادموس المدير التنفيذي للكلية الملكية للأطباء والجراحين قوله: إن هؤلاء الأطباء كانوا يباشرون خدمات الطوارئ في ساعات الليل وأيام العطلات، ويسهمون في تشغيل غرف العمليات لتغطية الأعداد الزائدة من المرضى في ساعات الذروة.
* *
وضمن الارتباك الذي صاحب سحب الأطباء السعوديين من مواصلة تدريبهم في كندا، ها هو رئيس الكلية الملكية للأطباء والجراحين يبعث برسالة عاجلة إلى رئيس الوزراء، يشرح فيها حجم الأضرار التي ستلحق بالنظام الصحي في كندا بانسحاب ألف طبيب سعودي من برامج التدريب على النظام الصحي، وأثر ذلك على المرضى الكنديين، بما يظهر قلق الجميع في كندا وخوفهم من أن لا تحسن الحكومة التصرّف في التعامل مع هذه التطورات بشكل يجنب كندا الأضرار المترتبة على ذلك.
* *
يقول في رسالته لرئيس الوزراء: على مدى السنين، لعب الأطباء السعوديون دوراً مهماً في النظام الصحي الكندي، فبالإضافة إلى الخدمات التي يقومون بها، فإن لهم دوراً في تعليم الأطباء الكنديين حديثي التخرّج، وإنه ليس هناك أفضل من وجود هؤلاء الأطباء السعوديين في كندا للحديث عن القيم المناسبة لحقوق الإنسان.
* *
لم يكتف رئيس الكلية الملكية للأطباء والجراحين بإرسال هذه الرسالة الاحتجاجية على تدخل وزيرة الخارجية الكندية في شؤون المملكة الداخلية، واعتبارها أن من أخلّوا بأمن البلاد سجناء رأي، وإنما أكد في رسالته على العلاقات الرائعة التي تربط كندا بالمجتمع الطبي في المملكة، منهياً رسالته لرئيس الوزراء بالقول: أطلب الاجتماع بكم لأشرح لكم كيف نستطيع أن نؤدي دوراً إيجابياً لحل هذه الأزمة، وأرسل صورة من الرسالة إلى وزيرة الخارجية في بلاده.
* *
ترى من المسؤول عن كل هذه المصائب التي حلَّت بكندا، وهي أحوج ما تكون إلى التعاون مع المملكة، ليس فقط في المجال الطبي، وعودة المبتعثين للدراسة وعددهم 13 ألف مبتعث ومبتعثة، وإنما أيضاً في المشروعات التجارية، والتعاون الاقتصادي، إنها وزيرة الخارجية التي لم تحسن التعامل مع المملكة، وتدخلت فيما لا يعنيها، وهي أيضاً الحكومة الكندية التي لم تسارع في تصحيح هذا السلوك المرفوض من الوزيرة قبل أن تصدر المملكة قراراتها الموجعة لكندا.