عروبة المنيف
يلعب نظام القيم في حياتنا دوراً كبيراً، فما تبنيناه من بعض القيم في فترة زمنية معينة كان يخدمنا في تلك الفترة، ولكن يتوجب علينا التساؤل، هل تلك القيم تخدمني الآن؟ هل تمنحني الحياة الكريمة التي أريدها لي ولمن حولي؟، هل أستسلم وأقول هذه حياتي وعلي أن أعيشها كما كتبت لي؟ إن القيم التي نتبناها هي التي تشكل حياتنا، فطريقة تفكيرنا بدون شك سوف تختلف لو كان لدينا القدرة على إعادة تصميم نظام القيم الذي نتبناه، وبالتالي ستختلف سلوكياتنا وحياتنا تبعاً لذلك.
تجربتي في التدريب على «برنامج السبرنج بورد لتطوير المرأة»، جعلني أبحث عن موضوع القيم الذي نتبناه ونؤمن به ونسير حياتنا طبقاً له. فقد دربت نسوة كان قد تم تعنيفهن من قبل أوليائهن الذكور، وبعضهن ما زلن يرزحن تحت العنف، وعند سؤالي أولئك النسوة عن الأسباب التي جعلتهن يرضين بالعنف والقسوة والإهانة، لتأتي الإجابة من غالبيتهن محملة بعبارات تؤكد إيمانهن بقيم لا تخدمهن، فتجيب إحداهن على سبيل المثال، أنا امرأه، ومن حق زوجي أن يضربني! هنا يتبين «انعدام قيمة الاستحقاق لديها»، أو تقول أخرى أنا غير متعلمة ولا أستطيع الحصول على المال لأصرف على نفسي وعلى أولادي!، لذلك أرضى بتعنيفي! «قيمة الطموح غير موجودة». وتعاني غالبيتهن من اعتقاد راسخ بأن «المال لا يأتي إلا بشهادة ونحن لا نملك الشهادة»! «تدني قيمة امتلاك المهارات»، وغيرها الكثير من أنظمة قيمية أخرى تبنينها في حياتهن، لا تخدمهن إطلاقاً، لا بل تجرهن إلى حياة أسوأ وإلى مزيد من سطوة أوليائهن.
بعد انتهاء كل برنامج أكتشف بأن أولئك النسوة، يمتلكن طاقات ومهارات عظيمة. فبمجرد الشرح والتنبيه لأهمية مراجعة نظام القيم الذي يتبنونه، ليصبح للنفس قيمة، وللقدرات قيمة، وللمال قيمة، وللحياة كلها قيمة أخرى تختلف عما هي بأذهانهن!، تتغير أولوياتهن الحياتية ويتغير وضعهن وبالتالي قدرهن، ليصبح لديهن قصص نجاح يروينها لأخريات يعانين ذات الألم والمرارة، ويعرضن قدرتهن على صنع التغيير في حياتهن من خلال إعادة تصميم نظام القيم لديهن، ليصبح احترامهن لذواتهن ولقدراتهن ولمهاراتهن من أعلى القيم التي يؤمنّ بها ويتبنينها في مسيرة حياتهن الجديدة. فعلى الرغم من أن غالبيتهن لا يمتلكن الشهادات إلا أنهن استطعن إحداث نقلة في حياتهن وعمل تغيير ملموس، لتصبح إحداهن مالكة لمعرض للعباءات النسائية، وأخرى طاهية ماهرة لأحد الفنادق، وأخرى تمتلك صالون تجميل، متعففات، متمكنات اقتصادياً، يشعرن بالأمان والكرامة ولا يقبلن أي إهانة.
نحن أكثر من القيم التي نتبناها بكثير، هي ليست اختياراً ذكياً أو نتيجة خطة عظيمة وضعناها، فما نحققه في حياتنا للآن يكشف عن أولويات شكلت ظروف حياتنا وبوعي منا اخترنا أن نعيش نظام الألم والمتعة التي تمت برمجتنا عليه، ولكن إذا كان لدينا خيار تغيير حياتنا، ولدينا الحرية لإعادة تصميم مجموعة القيم التي ستشكل مصيرنا وحياتنا التي نرغب بعيشها، ينبغي أن نسأل أنفسنا، ماذا ستكون عليه تلك القيم؟
استهوتني عبارة للمهاتما غاندي تقول: «راقب أفكارك باهتمام لأنها ستصبح كلمات، أدر وراقب كلماتك لأنها ستصبح تصرفاتك، تأمل وانتقد تصرفاتك لأنها ستصبح عاداتك، اعترف وراقب تصرفاتك لأنها ستصبح قيمك، افهم قيمك وتبناها لأنها ستصبح قدرك».