د. خيرية السقاف
الحج ليس ترفاً، ولا تظاهرة، ولا تنافساً على مظهر مادي في مأكل ومشرب، ومسكن ووسيلة نقل..
الحج ليس مدعاة للراحة والتنعّم، ولا للاسترواح والنوم على وسائد ناعمة..
التعبد يمنح المؤمن رضاء بالقليل، وقناعة في الزهيد، ومثولاً أمام الخالق العظيم في تواضع تام، بخضوع الجنان والأذهان، والنفوس والأركان..
المؤمن مجاهد لنزوات النفس ورغائبها، يدربها على الرضا، والزهد، والبعد عن الدنيا بتجافي مغرياتها، والبشرية بتدفق شهواتها..
وهو كلما ارتفع طموح شهواتها قضَّه، وكلما بُسط له سبلها طواها..
المؤمن صبور جسور، لا يعنيه حين المثول بين يدي خالقه لأداء ركن، أو القيام بواجب، إلا أن يتمه خالصاً به، مخلصاً له، في تمام نقاء طرف، وطهارة نفس، ونظافة جسم، وخلوص فكر، وصفاء قلب..
هذه السمات التي عليها يكون الحج مظهراً ومخبراً، ليس فقط من قبل الحاج فرداً، فرداً، بل أيضاً من قبل مؤسسات الحج، تحديداً «الحملات» المختصة بالاستضافة، النازلة بها وفود الحجيج، القائمة على شؤون استقبالهم، وإيوائهم، وحركتهم، وأدائهم شعائرهم تامة، من لحظة وصولهم، إلى لحظة مغادرتهم، سواء حجاج الداخل، أو غيرهم..
غير أن هذه «الحملات» غدت مثل الفندقة عالية الأثمان، باهظة التكاليف، مرهقة لمن يشاء الحج في يسر يد، أو يمارس شعيرته في تواضع نفس..
ثمة حملات بينها لا توفر ما يقابل أسعارها من الإمكانات التي توفرها للحاج كيسر المنام، والتنقّل، والراحة، والنظافة، ونحوه، بينما هناك حملات أخرى أحالت الحج إلى موسم ربح، وتظاهرة فخامة، وتمادت تمادت، حتى تكاد أن تحيل الموسم الديني إلى رفاه، ومتعة تغيير، وترف أيام..
ألا تعود هذه الحملات إلى دراسة جادة فتعيد خططها الربحية، وأهدافها التحصيلية، فتتواضع إلى حيث مقام الحج، وتزهُّد المتعبد؟!
وتعنى الحملات الأخرى بالشاردة، والواردة في سبيل راحة الحاج معها؟ في مقابل ما تبذله الدولة لراحة، وأمن الحجيج من جهود، وأداء، وبذل يوفر لها الكثير؟!..
كتب لي أحد من قرأ مقال الأمس «الحقيقة ليست مسؤولية السعودية وحدها» يقول: «اصطفى الله المملكة لهذه الخدمة العظيمة فأعانهم عليها، فقاموا بها حق القيام، لا ينكر فضل المملكة إلا حاقد، ربما قَصَّرت معنا «حملة» الحج التي أتينا معها، ولم نجد تقصيراً من المملكة رغم ملايين الحجيج، نسأل الله أن يبارك بالمملكة حكومةً وشعباً، ويعينهم، وييسر أمورهم»
كتبت هذا التعقيب في حسابي بموقع التواصل «تويتر» ليوم أمس..