د. فوزية البكر
يشكل جيل الشباب تقريباً 70 في المئة من سكان المملكة العربية السعودية نصفهم من النساء، لذا فإن مبدأ تمكين هذه الملايين من النساء الشابات وتحديدا في مجالي التعليم والتوظيف هو من أهم حقوق المرأة الإنسانية، تحقيقاً للعدالة بين الجنسين ولتحريك الاقتصاد الذي كان يقف تقريبا على قدم واحدة هو الرجل فيما عدا بعض القطاعات كالتعليم والصحة، حيث تركزت عمالة المرأة فيها لعقود بنسبة 80 في المئة .
ففي مجال التعليم حققت المرأة السعودية تقدما كبيرا حيث يلتحق اليوم بالتعليم الابتدائي أكثر من 97 في المئة من الفتيات ممن هن في عمر التعليم الابتدائي، وتنتشر المدارس الحكومية المجانية في كل مكان حتى في أقصى القرى والأرياف، مما يعني أننا لن نعاني مستقبلا من أمية النساء وهو ما يحقق أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة والتي أكدت على زيادة إمكانية الحصول على التعليم بكل مراحله، وزيادة معدلات الالتحاق بالدراسة خصوصاً بالنسبة للنساء والفتيات، وتحسين مهارات القراءة والكتابة، كذلك العمل على تحقيق التكافؤ بين البنات والبنين في التعليم، فهل يمكن إغفال هذه الإنجازات الكبيرة في مجال التعليم كأحد أهم الحقوق الإنسانية التي يجب أن نذكر العالم بها وتحديدا الصحافة الأجنبية .
أما في مجال التوظيف اليوم وبفضل رؤية 2030 فقد تمكنت المرأة تدريجيا من الدخول إلى قطاعات جديدة تستطيع وظائفها استيعاب متوسطات التعليم وخريجات الثانوية اللاتي كان يستحيل عليهن العثور على عمل في القطاعات النسائية التعليمية التي كانت تتطلب التعليم الجامعي المتخصص في المجالات التربوية المكتظة أصلا بالعمالة النسائية الزائدة، مما مكن مئات الآلاف من النساء من تحريك اقتصاديات أسرهن والإنفاق عليها بدل الانتظار وتلقي الصدقات فقط كما كانت أوضاعهن قبل إصلاحات الرؤية التي تعتمد على مبدأ تغيير النمط الاقتصادي في المملكة من نمط معتمد على النفط إلى نمط اقتصادي حيوي وحقيقي يعتمد على الثروات البشرية لشباب البلاد، ويكون اقتصادا حقيقيا يستطيع الاعتماد على نفسه كأي اقتصاد فعلي في عالم اليوم.
لا تفرِّق رؤية 2030 بين الرجل والمرأة بل هي أعطت المرأة في أماكن كثيرة مساحة مضاعفة في محاولة لمعالجة الخلل في سوق العمالة، وذلك من باب ما يسمي بالتمييز الايجابي، فالمرأة السعودية ولسنوات طويلة لم تكن تأخذ نفس الحقوق ونفس الدور، والآن رؤية المملكة تسعى إلى وضع المرأة في مكانها الحقيقي الطبيعي بإتاحة الفرصة للراغبات في العمل أن يعملن في كل القطاعات المتاحة من اقتصاد وسياحة ورياضة.. الخ، دون تمييز كما أتاحت للراغبات في البقاء في المنزل لرعاية أطفالهن ولكنهن رائدات أعمال أن يعملن من المنزل. من هنا ارتفعت مساهمة المرأة في مجال الأعمال بشكل غير مسبوق، فزاد عدد النساء السعوديات العاملات في القطاع الخاص بنسبة 130 في المئة حسب دراسة حديثة أعدتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية والتي أظهرت ارتفاع نسبة السعوديات العاملات في القطاع الخاص من 12 في المئة إلى 30 في المئة بين عامي 2011 و2017 .
محاولات الرؤية لتغيير النموذج التقليدي للمرأة السعودية إلى نموذج متعلم عامل كان ولا يزال أمرا صعبا في مجتمع تقليدي أبوي، لذا فإن نجاح الرؤية في توفير مئات الآلاف من الوظائف للنساء في مختلف القطاعات ومحاربة التمييز في القوانين والخدمات المقدمة لها هو من أكثر الحقوق الإنسانية أهمية؛ لأنها تمس حياة كل امرأة مهما كان موقعها الاجتماعي أو حالتها التعليمية، فهل نتجاهل ذلك كأحد أهم الحقوق الإنسانية للمرأة مقابل مطالبات إعلامية طبلت بها الصحافة الأجنبية رغم أنها قادمة - بإذن الله - مثل غيرها من الحقوق التي أعطيت للمرأة السعودية خلال السنوات الماضية.
لا بد لنا أولاً كنساء سعوديات ناشطات وثانيا للمجتمع الدولي من فهم عمليات التحول القيمية والاجتماعية التي تأتي مع أي تغير يطال موقع المرأة في مجتمع محافظ مثل السعودية، والذي يتطلب فهماً حساساً ودقيقاً لشبكة العلاقات العائلية المعقدة لمجتمع أبوي يحقق اليوم نجاحات هائلة لم نكن نحلم بها لتطوير أوضاع النساء فيه، لذا فان أي تدخلات غربية لن تؤدي إلا إلى محاولات فاشلة لتعطيل سير عجلة انطلقت لبناء المستقبل دون رجعة - بإذن الله -.