ياسر صالح البهيجان
لوحة الموناليزا للرسّام الإيطالي الشهير ليوناردو دا فينشي لا تزال هي الأغلى من حيث قيمتها السوقيّة رغم أنها ليست معروضة للبيع، حيث تقدّر بمليارين ونصف الميار ريال. تمتلكها الحكومة الفرنسيّة منذ أن رسمها ليوناردو عام 1503م، وهي معلّقة على جدار متحف اللوفر ابتداءً من عام 1797م خلف لوح زجاجي مقاوم للرصاص، وفي بيئة ذات مناخ خاصّ لتحافظ اللوحة على نضارتها ولكيلا تتعرّض لأي تشوّهات.
الأكثر غرابة هو أن هناك ستة ملايين زائر يأتون إلى فرنسا سنويًا من أجل مشاهدة لوحة الموناليزا والتقاط صور إلى جانبها. تحوّلت اللوحة إلى مزار سياحيّ مستقل بذاته، ربما يعود ذلك إلى الشهرة التي اكتسبها دا فنشي، أو لحرفيّته في تجسيد أدق التفاصيل في لوحته الخالدة.
لوحة الموناليزا هي إحدى اللوحات البارزة في تاريخ الفن الإنساني، لكن ثمة لوحات أخرى ذات قيمة كبرى وتقدّر بمئات الملايين من الريالات، ولعل ذلك ينبهنا إلى أهميّة تسليط الضوء على الفنون وتحديدًا «الفن التشكيلي» الذي لا يحظى في مجتمعنا بالدعم اللائق حتى اللحظة، رغم أنه من أكثر الفنون احتفاءً على مستوى العالم، وهو الأكثر قدرة على التأثير ونقل ثقافة المجتمع وقيمه إلى الآخر المختلف دون الحاجة لأن تنبس الشفاه بكلمة.
أعتقد بأن غياب المتاحف الضخمة طيلة العقود الماضية أوجد حالة ركود في حركة الفن التشكيلي في السعوديّة، وذلك الغياب أفقدنا القدرة على نقل حضارتنا وإرثنا التاريخي للأمم والشعوب في شتى البلدان، إذ ليس ثمة تأثير أعمق مما يُنتجه الفن، وليس هناك رسالة أصدق من لوحة رُسمت بعفويّة، وأماطت اللثام عن هويّة المجتمع بما يحمله من حضارة وتاريخ.
لدينا مئات الفنانين التشكليين والفنانات الذين يمتلكون الأدوات والمهنية والاحتراف والخيال لتجسيد تاريخنا وأصالتنا في لوحات تنبض بالحياة. معظمهم يشتكون من الإهمال والتغييب وافتقاد التقدير والتكريم، كما أن لوحاتهم هي الأخرى تشتكي من غياب المنصّات المتطوّرة القادرة على احتواء ما بهنّ من إبداع ووهج.
المهمة حاليًا تقع على عاتق هيئة الثقافة وجمعيّات الثقافة والفنون في مختلف أنحاء المملكة، لوضع إستراتيجيّة جديدة تكفل دعم الفن التشكيلي والفنون كافّة، للاستفادة من طاقات المواطنين وتوظيفها بما يخدم نهضتنا الآنيّة وتطلعاتنا المستقبلية، إلى جانب إشراك القطاع الخاص في إنشاء متاحف بمعايير عالميّة بإمكانها اجتذاب ملايين الزوّار للتعرّف على مجتمعنا والاستماع منّا بدلاً من أن نترك المجال للآخر المعادي لقول ما يسيء لنا.