عبدالعزيز السماري
تختلف الناس في حياتها وتتصارع، لكن تتوحد مختلف الأديان والثقافات في موقفها من الموت، فالموت هو النهاية الحتمية لمختلف أنواع الحياة ولجميع الكائنات الحية، ومن معجزات هذه الحياة أن وعي الإنسان يعني شعوره في تلك اللحظة، ولهذا هو لا يدرك معاناة الأيام الماضية، فالإحساس والمشاعر والفرح والألم ليس لهم ذاكرة، ولهذا يمضي الإنسان إلى آخر يوم في حياته، وكأنه يوم واحد في هذه الحياة..
قد لا تختلف فلسفة الموت كثيراً من دين إلى آخر، وفي ديننا الحنيف يواجه المرء ربه ويُحاسب على أفعاله في اليوم الآخر، وتلك أمور تجهلها تجربة الإنسان، ونكتفي بالإيمان بها، والدعاء بحسن الختام، لكن ما يأتي في الوجه الآخر لهذه النهاية الحتمية للبشر هو ذلك الصراع بين مؤيدي فلسفة الحياة من خلال ثقافة السلام..، وبين أولئك الذين يؤمنون بالحياة من خلال ثقافة الموت.
من خلال مسيرتنا القصيرة في الحياة تبدو الصورة في غاية الوضوح، فالفرق بين مؤيدي الحياة وأنصار ثقافة الموت تظهر علاماته في خيارات الإنسان الأولية، ولعل علماء الطبيعة وفلاسفة العقل والمخترعين وكبار المنتجين للأدب والمعرفة ينتمون إلى جناح الحياة، فهم يجدون متعتهم في ثقافة الإنجاز، وفي رسم البسمة على شفاه الناس، بينما يبحث أولئك الذين يختفون مبكراً من صفوف النبوغ عن السلطة من خلال الكراهية الدينية والتعصب الأيدولوجي أو الفساد المالي أو الشوفونية الوطنية.
لم يحدث في التاريخ أن قاتل فيلسوفاً أو عالماً في علوم الإنسان والطبيعة من أجل القبض على السلطة، ثم التحكم في مصير الآخرين، ولكنهم كانوا وما زالوا يهتمون بكشف أسرار هذه الحياة، والوصول إلى نشوة الانتصار من خلال نشر الوعي بحقيقة هذه الكون العظيم، بينما يقتل الآخرون الأبرياء ويدمرون الحضارات من أجل إرضاء شيطان العنف في ذواتهم.
كانت المدينة الفاضلة حلم الفلاسفة منذ قديم الزمان، وذلك ظناً منهم أنهم أجدر بقيادة المجتمع، وأنهم في مقدورهم أن يجعلوا كل شيء في هذه المدينة معيارياً، وبناءً عليه تكون مدينة فاضلة يجد فيها المواطن والمقيم والزائر أرقى وأكمل أنواع الخدمات، وبأسلوب حضاري بعيداً عن التعقيد وعن سوء التعامل، وليس الاختلاف في المظهر العمراني فقط، بل في كل شيء، في المستوى الحضاري والسكاني والأداء الخدمي الحكومي والخاص..
قد يكون أولئك الرموز حالمين في رؤيتهم لمفهوم الفضيلة في الحياة المدنية، وربما هم على حق، وكتبوا تلك الرواية احتجاجاً على ثقافة الموت، فالرؤية للحياة قد تتغير، إذا تم منح أولئك المختلفين في فلسفتهم الحياتية في المساهمة في قيادة الأوطان، وربما تؤدي إلى توازن تلك الرؤي المختلفة، وبالتالي تكون الحياة بكل ما تملك من بهجة وألم أكثر التزاماً بمعاني السلام في هذه الحياة..
تعاني الدولة في التاريخ العربي من خطر الموت بعد مرحلة زمنية محددة من قبل فلاسفة التاريخ، ولعل أحد أهم الأسباب كان طغيان ثقافة الموت على فلسفة الحياة في مراحلها الأخيرة، بينما يبدو أن أحد أهم الأسباب هو استبعاد المبدعين في مختلف اتجاهات العلم من المساهمة في إيجاد الحلول لأزمات الحياة في الدولة المعاصرة..