د.محمد بن عبدالرحمن البشر
اكتمل الحجيج أو كادوا، وحلوا بطن مكة ولله استجابوا، جاؤوا من كل حدب وصوب، مختلفي اللغات، والجنسيات، والمشارب، والمعارف، والآراء، والبناء الفكري والجسدي، جاؤوا مهللين مكبرين داعين العلي القدير، وملبين دعوته، وراجين ثوابه ومنته، قدموا وقلوبهم يحدوها الأمل والرجاء، والتضرع وطلب العفو عند اللقاء، قلوب متذللة لرب كريم، رحمن رحيم.
هذا الجمع قدم وقد هيئت له السبل منذ طلب حصوله على التأشيرة في منافذ المملكة، حتى وصوله إلى الديار المقدسة، وبعد أن حلّ لمس بأم عينه الأمن والإيمان، والخدمات التي لا توصف الذي هيئها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين حفظهما الله، لضيوف بيت الله، رأى تلك الطرق الفسيحة، والمواقع العامرة بالرجال الذين يقومون بواجبهم في خدمة ضيوف الرحمن، رأى ولمس توفر السكن والماء والغذاء بكميات تفوق ما توقع، رأى فيها كل وسائل الراحة، والشروط الصحية اللازمة، لمس الخدمات الطبية الكثيرة والعديدة التي تقدم إليه في مكان إقامته، وإذا احتاج الأمر إلى نقله لمشافي، فإن ذلك يتم بأسرع وقت ممكن، وبطرق تحافظ على صحته، وهناك يجد العناية الفائقة، وعدد كبير من الأطباء والممرضين الأكفاء، الذين شمروا عن سواعدهم، وانكبوا على خدمة الضيوف، برغبة جامحة، وقدرة كافية، راجين من العلي القدير أن يشفي كل مريض، وأن يعود الجميع إلى ديارهم سالمين قائمين، مقبولين.
هذا الأمر يشاهده الحجيج بأم أعينهم، ويعيشونه في ليلهم ويومهم، ويتمتعون به في حلهم وترحالهم، هذا أمر قد رأوه ولمسوه، لكن هناك الكثير من الجهد السابق لهذا الظاهر، فمنذ أن يرحل الحجاج مكرمين معززين حتى تبدأ اللجان والأجهزة الحكومية المختلفة في اللقاءات المتعددة، ورسم الخطط وطرح الأفكار الجديدة، ومن ثم يعمل لها محاكاة على أرض الواقع حتى يتم التأكد من إمكانية تطبيقها ونجاحها، وأنها تشكل إضافة جديدة تعمل على راحة الحاج وتسهل دربه، وتزيد من خدمته.
إن المملكة بما منحها الله من نعم كثيرة، لا تألو جهداً في خدمة الضيوف الكرام، وهي تأخذ بعين الاعتبار الطقس، وشدة الحرارة في هذا الصيف، ولهذا فقد رسمت لذلك خطة في التنقلات وفي الخدمات الصحية، وتوفير الماء، والمظلات، والثلج، ووسائل التبريد المختلفة.
الممكلة تنفق بسخاء لاحدود له، دون من، وإنما تراه واجبا شرعيا، ووطنيا، فقد حباها الله هذا الشرف الكريم، فقامت به على أكمل وجه، ومازالت وستظل، فرحة بما تقدم، سعيدة بما تنفق، ومتطلعة إلى المزيد من البذل. ومهما كانت العقبات، فإن المملكة بحمد لله وفضله تسعى بكل جهد ممكن لحل تلك العقبات.
ولقد شهد العالم الإسلامي، والعالم أجمع للمملكة جهدها الكبير، وقدروا ماتقدمه من توفير الراحة لهذا العدد الكثير.
في هذه العشر المباركة عشر ذي الحجة يتوجه المسلمون إلى العلي القدير أن يحفظ المملكة العربية السعودية وقادتها، الذين نذروا أنفسهم لخدمة ضيوف الرحمن، وطلبوا العلي القدير أن يمن على هذه البلاد وبلاد المسلمين جميعاً الأمن والأمان والرخاء، وأن يعم السلام العالم أجمع، وأن يؤلف بين قلوب الشعوب. في نهاية هذه العشر المباركة الكريمة يتضرع المسلمون إلى الله أن يحمي الحرمين الشريفين وأن يوفق قادة المملكة للاستمرار في هذه الخدمة الجليلة، وأن يجعل ما قدموه من خير وعطاء في موازين حسناتهم وأن يعينهم على ما أوكل الله إليهم من شرف عظيم، لخدمة الحرمين الشريفين، وأن يعينهم على ذلك، وأن يوفق الشعوب الإسلامية.
لقد وضع الشعب السعودي يده بيد قادته لخدمة ضيوف الرحمن، فكان الناتج ولله الحمد هذا الأمن والأمان والخير الذي يقدم للحجاج الذين يقدمون لأداء هذه الفريضة العظيمة، وفق الله هذه البلاد وقادتها وجميع قادة المسلمين لما فيه خير للعالم الإسلامي والعالم أجمع.