د. خيرية السقاف
في هذه الأيام يطيب الحديث عن المناسبة الربانية الفضيلة «الحج»، الشعيرة التي أباح الله تعالى للمسلمين أن يقيدوها بالاستطاعة، المادية والصحية..
ولأن الازدحام الشديد يوهن جهد الحاج، ويعرضه للعناء وهو يؤدي أركانه، ويقوم بواجباته، كما يعرضه لبعض مخاطر الضيق، وحاجته لفسحة الهواء، وبراح المكان، ويسر التنقل في الطرقات، والراحة عند الجلوس، والتمتع بالمنزل، والهدوء عند المنام، والخشوع عند الصلاة والدعاء فإن من اللائق بواجب حجاج بيت الله الحرام أن يتنازل المواطنون الذين أدَّوا حجَّة فريضتهم، بل كرروا مرارًا أداء هذا الركن، وتمتعوا بالقرب من المشاعر، وهيأت لهم مواطنتهم أن يمثلوا وقتما يشاءون في أرض الحرمين، أو هم من ساكني المكان أن يفرغوا المكان، ويفسحوا الوقت لهؤلاء القادمين بشغف، المقبلين بلهفة، الممتلئين حنينًا وشوقًا ليحجوا براحة، وسعة، وفسحة، واطمئنان، دون عناء التدافع، وجهد التَّناكب، والانشغال بغير أبعاد دعائهم، ونبض عبادتهم..
ومع أن التنظيم الصارم، والمقنن، الذي يهدف إلى يسر الحركة، والأداء للحجيج الذي فرضته الجهات الأمنية على الجميع، يحد من تدافع المواطنين، والمقيمين الذين كانت لهم تجربة، أو أكثر في حجَّات سابقات، إلا أن هناك من المواطنين، والمقيمين من ينتهز كل حجٍّ كي يكون أول الوافدين لمكة، فالمزاحمين غيرهم..
إنه إن لم يكن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإن فيه يتحقق قول النبي الرسول عليه الصلاة والسلام الذي علمنا الأثرة، ووجهنا للتكافل، والتعاضد، ودعانا لأن نتفكر في حاجة المسلمين الآخرين ليتم لنا إيماننا، وتصفو لنا مشاربنا به..
والصفاء الأندى، والأطيب لنفس المؤمن هو عندما يعنى بضيوفه، إذن فكيف تكون منه العناية بضيوف الرحمن الذين هم أحق بالعناية، إلا أن يفسح لهم المكان، ويتيح لهم الفرصة لحج ميسور، ووقت بالراحة معمور؟!..
إن التنافس في العبادة، سلوك يتميز به المؤمن، لكن لا يتم له الكمال ما لم يكن منبثقًا من محبة أن يتحقق للآخر من المسلمين فرص الأداء للواجب، وتيسير أمر ذلك.
فليُعِن المواطنُ حجاجَ بيت الله للاستطاعة الجسدية بإفساح المكان لهم في موسم الحج، وليكن هذا من جميع من أدى فريضة حجه، أو استزاد.