ياسر صالح البهيجان
تضم المملكة على أرضها مئات المواقع والمعالم التراثية والتاريخيّة ذات الأبعاد الإسلامية والعربية والوطنيّة، وهي مكاسب حقيقيّة إن جرى تفعيلها وتهيئتها لاستقبال آلاف السيّاح سنويًا، لكنها لا تزال تواجه معوقات متعددة تحول دون الاستفادة المثلى منها، ومن أبرز العوائق؛ ضعف مستوى الاهتمام بجانبها العمراني، وغياب المرافق الخدميّة الضروريّة بالقرب منها، وصعوبة الوصول إليها، ومحدوديّة التسويق لها على المستويين المحلي والدولي.
هناك العديد من المناطق التراثيّة والتاريخيّة التي لم تحظَ بعد بالاهتمام بجانبها الإنشائي، ما أسفر عن تهدّم أجزاء منها بفعل العوامل المناخيّة، أو بسبب بعض السلوكيّات الإنسانيّة الضارة بتلك المباني، لذا فإن أولى خطوات تأهيل تلك المواقع تبدأ بالتعامل معها بوصفها محميّات مملوكة للدوّلة، وتليها مرحلة الانطلاق في إعادة التهيئة بما يحافظ على هويتها العمرانيّة، مع تحديد مدّة زمنيّة للانتهاء من تأهيلها، والاستعانة بالكفاءات الوطنيّة وبعض الخبرات الدوليّة في هذه المرحلة.
وبعد الانتهاء من التأهيل الإنشائي، تأتي نقطة بالغة الأهميّة تتمثل في توفير المرافق الخدميّة الأساسيّة، كالفنادق الراقية، والأسواق التجاريّة، والعيادات الطبيّة، وغيرها من الخدمات التي تُعد ضروريّة لتحوّل الموقع إلى وجهة سياحيّة جديرة بالزيارة، بدلاً من أن تصبح معلمًا مهملاً وسط منطقة صحراويّة.
ومن المرتكزات الرئيسة للاستفادة من المواقع التراثيّة في المملكة، مرتكز إنشاء شبكات طرق متطورة ومتكاملة فيما بينها، ابتداءً بتسهيل إمكانية القدوم جوًا عن طريق الطيران إلى أماكن قريبة من المواقع، ومن ثم مدّ الخطوط البريّة ذات الخدمات الشاملة.
أمّا مرحلة التعريف بما لدينا من إرث حضاري شاخص في تلك المواقع التاريخيّة، فإننا حقًا مقصرون في هذا الاتجاه ليس على المستوى الدولي فحسب، وإنما حتى على المستوى المحلّي، إذ لا يزال معظم سكّان المملكة يجهلون ما تحتضنه البلاد من معالم وآثار، ما يتطلّب عملاً نوعيًا في إنشاء الحملات الإعلانيّة للكشف عن مكنون أرضنا المباركة، أسوة بما هو معمول به في شتّى بقاع الأرض، ومن دون تلك الحملات ستظل تلك المعالم مجهولة، ولن تتحول إطلاقًا إلى وجهات سياحيّة عالمية.
الأهم في هذه المرحلة في نظري، هو وضع استراتيجيّة واضحة تحدد آليّات عمل تأهيل وتطوير المواقع التاريخيّة من جميع جوانبها وفق جدول زمنيّ محدد وصارم، لتفادي أي اجتهادات فرديّة من جهة أو أخرى، هذا إن أردنا تفعيل تلك المواقع وجعلها رافدًا للاقتصاد الوطني المتطلع للتنوّع في مصادر إيراداته، فضلاً عن إسهامها في التأكيد على أصالة أرضنا وعمقها التاريخي.