في عصرنا الحالي حروب ضارية ذات أهداف غير معلنة غالباً، يفتضح أمرها بسرعة مذهلة بتطور وسائل الحصول على المعلومة ووسائل نشرها.
كانت ولازالت الحروب هي الملاذ الأخير لإطالة أمد الأزمات الاقتصادية وليس حلها، وذلك لأن الأزمة لا تحل إلا بإزالة الظلم الاجتماعي في توزيع الثروة، أي تحقيق مستوى «مقبول» من العدالة الاجتماعية.
على الرغم من عدم وجود تعريف واضح على مر العصور لماهية «العدالة الاجتماعية» ولا «كيفية تحقيقها» إلا أن الصراعات كلها تتمحور حول تقلص عدد المستحوذين على الثروة، واتساع رقعة المظلومين أو المستضعفين.
كان الصراع الاجتماعي يتسع باستمرار بين طبقة غير منتجة تستحوذ على الثروة، وطبقات منتجة لا تحصل إلا على جزء يسير من تلك الثروة. لذلك كان الصراع بين الطبقات في المجتمع الواحد على أشده حتى بداية عصر الاستعمار نهاية القرن التاسع عشر. ولكن بعد تقسيم العالم بين دول استعمارية تستحوذ على الثروة، وأخرى مضطهَدة تفقد النسبة الكبرى من دخلها السنوي وتستعبدها الضواري الرأسمالية عن طريق إغراقها بالديون، أصبحت الأولوية للصراع بين قلة من الشعوب المهيمنة على الاقتصاد العالمي وغالبية من الشعوب الواقعة تحت الظلم الاستعماري.
بقي الصراع الطبقي يحتل الأولوية في معظم بقاع الأرض حتى في عصر الاستعمار، وخاصة في الدول غير الصناعية. ولكن الطبقة المستحوذة على السلطات فقدت هويتها الوطنية وأصبحت مرتهنة للإرادة الاستعمارية اقتصادياً وسياسياً. من هذا المنطلق بدأ الصراع الاجتماعي يتعدى حدود الدول والمجتمعات والشعوب والأمم. وهذا النوع من الصراع هو نتيجة لاحتدام الصراع الطبقي، الذي تجلَّى على شكل حراك الشغيلة في أوروبا، والذي أفرز ثورات متعددة كانت ثورة أكتوبر في روسيا أبرزها.
وعلى الرغم من أن الصراع «الجديد» هو من إفرازات الصراع الطبقي، بل هو نوع من تصدير الصراع «الطبقي» خارج حدود الدول الصناعية، إلا أنه ليس صراعاً طبقياً.
إطلاق تسمية على هذا الصراع هو ضرورة وليس ترف فكري! .. التسمية تحمل في طياتها توصيف للمضمون، وبالتالي تفسح المجال للتعامل مع ذلك المضمون ثم اكتشاف الآليات الفاعلة فيه. لو أطلقنا عليه اسم صراع بين شعوب مهيمنة وأخرى مضطهدة، أي صراع «شعوبي»، سنكون أولاً- قد خلطنا في داخل الدول الاستعمارية بين الظالم والمظلوم، وكذلك في الدول النامية بين من هو مرتبط بالاستعمار ومن هو واقع تحت الظلم الاستعماري والمحلي المزدوج. ثانياً- قد يكون هناك خلط بين «شعوبي» و«شعبوي»، فالشعبوية هي تيار سياسي فكري قومي وعنصري، يطالب جوهرياً بتفضيل شعب على آخر، وليس هو المقصود في المشهد السياسي الذي نتحدث عنه.
ربما إطلاق تسمية صراع «عولمي» هي الأقرب للواقع الحالي، حيث إن شعوب العالم كافة، سواءً في الدول النامية أو الصناعية، فيها من يؤيِّد الهيمنة على العالم ومن يناهض تلك الهيمنة. كما أن الهيمنة على العالم هي «عولمة أميركية» وتوجد حالياً عولمتان: واحدة «أمريكية» تضع مصلحة الولايات المتحدة ضد مصلحة جميع شعوب الأرض، وأخرى «صينية-روسية»، إذا صح التعبير تضع الأولوية لتبادل المصالح بين الشعوب، ولذلك تنتشر هذه العولمة بسرعة مذهلة بدون حروب! أما آلية الصراع في العولمة الصينية-الروسية هي «الحداثة»، أي كل قول أو فعل أو كليهما لخدمة التطور، أما في العولمة الأمريكية فآلية الصراع هي «التراثوية»، أي كل قول أو فعل أو كليهما لإعاقة التطور الاجتماعي أو محاولة جرّه إلى الوراء.
لقد تحاشيت كلمة «تراثي» هنا، لأن التراثي هو من ينهل من التراث المحلي والقومي والديني والبشري العام. وبهذا المعنى يصبح جميع البشر تراثيين، حيث لا يوجد عالم أو أديب أو متخصص أو حتى أميّ، لم يتعلّم من تراث من سبقوه، ولكن التراثوي- هو الذي يفرض على الناس فرضاً ما يراه هو «صحيحاً» من التراث.
وجود الصراع «العولمي» لا يلغي الصراع الطبقي أبداً، إنما يجعله في المرتبة الثانية.
** **
- عادل العلي