د. أحمد الفراج
وسط الضجيج في جادة بنسلفانيا، وحول العالم، يظهر للعالم صورتان، أولاهما صورة الرئيس ترمب، الذي يتحدى الجميع، ويتنمّر على الجميع، ويتحدث بثقة عن نجاحاته داخلياً ًوخارجياً، والصورة الأخرى يرسمها خصوم ترمب، على أنه سياسي فاشل، قد يتعرض للعزل قريباً، وبمناسبة الحديث عن عزل الرئيس، أستمتع بمتابعة ما يكتب عن ذلك، خصوصاً من قبل المحللين العرب الذين لا يعرف معظمهم شيئاً عن إجراءات ذلك وتبعاته، ولا عن العزل والمعزولين في التاريخ الأمريكي، إذ يتخيل هؤلاء أنه من الممكن أن يتم عزل ترمب خلال أيام، ثم بعدها تتغير السياسة الأمريكية، وقد سمعت مثل هذا على قنوات رسمية، ومن أسماء يفترض أنها تفهم أبجديات التحليل السياسي.
لا جدال في أن ترمب سياسي مختلف، زلزل آلية صنع القرار في واشنطن، وعزل عشرات الموظفين الذين اختارهم بنفسه. هذا، ولكنه وسط هذا الضحيج والمعمعة، حقق إنجازات كبرى، تهم الذين صوتوا له، وأوصلوه للبيت الأبيض، وهم فقط من يستطيع إبقاءه فيه حتى العام 2024، فالبطالة في أدنى مستوياتها منذ زمن بعيد، والأعجب أنها كذلك حتى لدى شرائح السود واللاتينيين، الذين لم يصوت معظمهم لترمب، ويتهمونه بأنه عنصري ولا يكترث بهم، وهذه المعلومة بخصوص البطالة، تعتبر نصراً كبيراً في الداخل الأمريكي، إذ إنها قادرة على حسم المعركة الانتخابية، في أهم الولايات وأكثرها تأثيراً، مثل أوهايو ومتشجن وفلوريدا، وهذا يؤرق خصوم ترمب ويوجعهم.
ترمب ظاهرة عجيبة، فهو من الصنف الذي يحبه أنصاره بتطرف، ويكرهه خصومه بتطرف أيضاً، وهو لا يعترف باللون الرمادي، فهو يحب من يشيد به، ويكره من ينتقده، إذ يشيد دوماً بالإعلاميين، شون هانيتي ولو دوبز وتكر اندرسون، ويمقت قناتي سي ان ان، وام اس ان بي سي، ورغم متابعتي لمسيرة الساسة الأمريكيين منذ سنوات طويلة، إلا أنني لم أشهد سياسياً لديه قوة الصبر والجَلَد والعناد والمثابرة والثقة مثل ترمب، وهذه المواصفات هي التي جعلت معظم وسائل الإعلام الأمريكي تصطف ضده، ثم يسحقهم بتغريدة واحدة، أو تصريح واحد أمام أنصاره المخلصين، الذين يرون فيه الأمل الوحيد، لتحقيق الحلم الأمريكي بحياة الرخاء والسعادة!.