يوسف المحيميد
في بدايات التعليم بالمملكة عانى المفوضون بتأسيس نهضة تعليمية كبيرة من تشدد المجتمع المنغلق آنذاك، وقد ذكر الراحل حمد الجاسر الكثير من مواقف الممانعة في كتابه السيرة (من سوانح الذكريات)، فالعلم بالنسبة للمجتمع هو العلم الشرعي، وما عدا ذلك لا قيمة له، ومنها ظهرت حجة الشيخ الجاسر لمن قال له بأن العلم هو لدى المفتي فقط، حينما تساءل أمام هذا الشخص، عمّن يصلح عطب مروحة الهواء، هل المفتي أم شركة أرامكو.. هكذا كانت العلوم كالهندسة والجغرافيا وما شابه تعاني من قبولها في البدايات، حتى الفن أو التربية الفنية هُمشت وأُلغيت من بعض المراحل لأسباب غير مفهومة.
هؤلاء الذين تغلغلوا في أهم مفاصل التعليم لعقود، وتحكموا فيه، وأزاحوا الفنون والمسرح وكل ماله علاقة بالإبداع والجماليات، تم تحييدهم الآن كثيرًا ولم تعد أهواؤهم تسيطر على حاضر التعليم ومستقبله، فلِمَ لا تبدأ الدولة مع هذا الجيل الشاب الموهوب، المتفاعل مع ثقافات العالم وفنونه، مرحلة إنشاء معاهد عليا للفنون الجميلة، لقد تأخرنا كثيرًا، فمن يتخيل أن معهد الفنون الجميلة في بغداد الذي يضم أقسام الموسيقى والرسم والنحت استقبل الشبان العراقيين عام 1940، ومنه تخرج منه جواد سليم وفايق حسن وغيرهما من الرواد، ثم أصبح أكاديمية وأضيفت له فروع جديدة كالخط العربي والغناء والتمثيل وغيرها، فضلاً عن كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، وكذلك الأمر في مصر ولبنان وسوريا وغيرها.
صحيح أننا تأخرنا في وضع أسس أكاديمية لهذه المجالات الإبداعية والفنية، رغم أن أكثر من 60 بالمئة من مجتمعنا هم من فئة الشباب، إلا أن ما يبث التفاؤل هو تفوقنا الكبير على المستوى الاقتصادي والمالي، ووجود جيل مميز من المبدعين والفنانين، سواء الموسيقى والغناء أو التمثيل أو الفن التشكيلي، سيجعل من السهل البدء في الأكاديميات العليا للفنون الجميلة، وكليات الفنون الجميلة في جامعتنا، تؤسس قاعدة قوية وصلبة من المختصين في مجالات الإخراج التلفزيوني والسينمائي، والتمثيل والمجالات الفنية الديكور والإضاءة، وكذلك التشكيل والفوتوغراف والنحت والخط العربي وغيرها، مما يعني صناعة سينما ومسرح وغناء وتمثيل وتجارة تشكيل وفوتوغراف وغيرها، الأمر الذي يعني تنويعاً اقتصاديا مهما للمملكة، يتسق مع رؤيتها 2030.