خالد بن حمد المالك
أحاول كغيري أن أغوص في بحر الأسئلة الغامضة، أن ألامسها ولو برفق، لعلي أصطاد ولو نصف إجابة مقنعة، أحاول عبثاً دون أن يكون لي حظ في هذا الاختبار، ربما غيري حاول كما حاولت وكرر المحاولة لكنه ووجه كم ووجهت بمصدات حالت دون أن يصل إلى مبتغاه.
* *
مضت أيام، وانقضت أوقات، وساد الجو افتراض وحقيقة بأن علينا ألا نتعب أنفسنا في البحث عن السر وراء هذا الغموض في الموقف الأمريكي المهادن أو المكتفي بالصمت عن دعم قطر لتركيا في أزمتها المالية، مما يثير التساؤل: كيف لقطر أن تقدم على هذا الموقف المؤازر لتركيا، فيما أن أمريكا هي الطرف الآخر العنيد والمتقصد في توريط تركيا في هذه المشكلة دون أن تخاف من غضب البيت الأبيض.
* *
هل يعقل أن تتصرّف قطر دون أن تأخذ موافقة مسبقة من أمريكا، وفي المقابل هل نصدق أن أمريكا يرضيها هذا الموقف القطري المضاد لتعامل أمريكا الرافض للسياسة التركية، الأسئلة تتكرر: كيف تقبل قطر أن تُبتز من تركيا، وتوافق على دعمها لليرة التركية المنهارة بأكثر من 15 مليار دولار.
* *
المحيِّر، والمثير للانتباه، أن أمريكا تلتزم الصمت أمام تصرّف قطري يحاول بالمال فك الخناق عن الأزمة التركية، وتحريرها من هذا الطوق الذي تُحكم به واشنطن سيطرتها على العملة التركية، وما مصلحة قطر - هذا هو السؤال؟! - في خسارة أمريكا لكسب ود تركيا، دون الحاجة منا إلى التوغل في العمق والاستنتاجات الأخرى.
* *
أمامي مجموعة من الأسئلة الأخرى يطرحها هذا أو ذاك من المتابعين للأزمة، وهي حديث الناس، فقد تم استقبالهم لهذه الأزمة بكل هذا الذهول المصاحب للأسئلة التي أشرنا إلى بعضها، فهل قطر أقدمت على هذه الخطوة برضاها ووعي أميرها وحكومته دون ضغوط تركية لكون الأخيرة هي من يحمي الأمير القطري عسكرياً من التهديدات التي يتحدث القطريون في الداخل عنها.
* *
أيضاً، كيف لأمريكا أن تقبل هذه المساندة القطرية، وبهذا الحجم المالي الكبير، وفيها إضرار بالتصعيد والقرارات الأمريكية الحازمة الموجهة ضد تركيا، كما يظهر ذلك من القراءات السريعة لهذه التطورات، حيث الصمت الأمريكي والتركي والقطري، وعند الحديث عن هذا الموقف من جانب هذه الدول فإنه يتم باستحياء ودون إعطائه ما يستحق من اهتمام.
* *
هل فهمتم تفسيراً لهذه البلايين التي خرجت من خزينة قطر إلى خزينة تركيا، في توقيت وأجواء مشحونة بالخلافات الأمريكية التركية، مع تسليمنا بأن هناك علاقات متميزة، وتعاون كبير بين أنقرة والدوحة يقودها تنظيم الإخوان في كل من الدولتين، ويعزِّزها وجود قاعدة عسكرية تركية مهمتها حماية الأمير القطري من خصومه داخل البيت القطري.
* *
لا يهم أن نجد إجابات للأسئلة التي يغلب الغموض على أي توقعات مفترضة لها، ولا يهم أن تشتري قطر بمالها مساندة تركيا وغير تركيا، ما يهمنا أن نتعرَّف على الموقف الأمريكي من هذه الصفقة، وكيف تم تمريرها، هل هو برضا الولايات المتحدة الأمريكية، وإن لم يكن فهل يعقل أن تقوم إمارة صغيرة تسيطر عليها القاعدة العسكرية الأمريكية على هذه الخطوة في غياب أمريكا، أسئلة واضحة، ولكن الإجابات يلفها الكثير من الغموض!