د.علي القرني
وهنا أقصد أن الإعلام بمختلف وسائله سواء التقليدي أو الإلكتروني قد فاض هذه الفترة بالكثير من الفضائح العلمية التي كان وراءها شهادات وهمية، ووراءها سرقات علمية، ولهذا يجب أن تستجيب الأنظمة التعليمية والعلمية في منطقتنا الخليجية إلى جهود كهذه يعمل عليها أناس مخلصون لا يسعون من وراء عملهم إلا إلى تعزيز النزاهة العلمية في الوطن العربي. وإذا فشلت الأنظمة القضائية والثقافية والتعليمية في الدفاع عن النزاهة العلمية بكل وسائلها، فيجب أن يكون الإعلام فقط هو الجهة التي يقصدها أصحاب النفوس الأبية والقلوب الطاهرة والهمم القوية، لأن الإعلام لن يخذل مظلومًا، أو يدافع عن ظالم، أو يتستر على فساد، فهو قوة هائلة في المجتمع.
نعم، لقد تابعت حالات قضائية عدة، جميعها انتهت إلى تجريم المبلغ عن الفساد العلمي، وجميعها انتصرت لأصحاب السرقات العلمية وللمحامين الذين ارتأوا أن يدافعوا عن سرقات موكليهم، رغم أن السرقات كانت مثل الشمس في النهار، فهي سرقات علمية بامتياز بلا مواربة أو تخفٍ، حتى أحيانًا مقدمات الكتب والإهداءات يتم سرقتها. وهذه الحالات إذا كشفها الإعلام - وأتمنى كشفها قريبًا - فلن يبقى حكم قضائي في مكانه الطبيعي، ولن يبقى محامي ظلم أو زور أو فساد يرى نفسه في العلن. اليوم وزراء تعليم ورؤساء وزراء في مملكة البحرين وفي دولة الكويت وفي الإمارات العربية المتحدة وفي دول عربية وإسلامية أخرى هبوا لمكافحة الفساد العلمي، وأعلنوا عن حملاتهم القوية ضد الفساد العلمي، وكان الإعلام هو أحد مسببات هذا الاهتمام الكبير بهذا النوع من الفساد الذي بقي مختفيًا في قاعات المحاكم وفي أروقة محامين يحرصون على عدم كشفه للإعلام. أتساءل في ظل هذه الظروف، كيف لحكم قضائي في أحد البلدان الخليجية أن يحكم على مبلغ فساد علمي، ولدى هذا القاضي مرفقات نسخ من كتب السارق والمسروق، وكلها تدين السارق الذي سطا على كتب غيره وعلى ملكية غيره. نعم أتساءل كيف لهذا القاضي أن يغمض عينيه عن هذه السرقات التي كانت في مرفقات تلك القضايا، ويصدر حكمه بإدانة المبَلِّغ عن الفساد؟ هذه استفسارات يحتاج أن ينظر إليها وزراء العدل في منطقتنا الخليجية بعين أخرى، تغلب المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة. وكما أقرأ في الإعلام وخاصة في شبكات التواصل الاجتماعي، فإن ذروة الحملة لم نصل لها بعد وخاصة في منطقتنا الخليجية، ولكنها آتية لا محالة، فالسيل سيجرف كل من تعلق بفساد علمي، وبكل من دافع عن فساد علمي، وبكل من اختفى وراء فساد علمي، وبكل حكم جامل فسادًا علميًا، أو شهادة وهمية أو غير ذلك من التحايلات التي أصبح لها - وللأسف - مدافعون أكثر من المعارضين، في ظل تعتيم الإعلام على الأسماء والقضايا والموضوعات. ولكن مع هذه الحملة ستظهر كل الأمور واضحة، وكما أعلنت مواقع عن أسماء حاملي الشهادات الوهمية، فربما نجد مواقع تنشر عن قضايا السرقات العلمية بالأدلة والإثباتات، كما هي قوائم الجامعات الوهمية.