ماجدة السويِّح
ينظر الكثير لعمل المنقبين عن الذهب والألماس نظرة تقدير وامتنان نظير عملهم الخطر في التنقيب والصقل لتظهر أخيرًا مجوهرات غاية في الجمال واللمعان.
لكن في تويتر والفيسبوك تكشف عملية التنقيب الجديدة التي ابتلينا بها عن الوجه القبيح، والتنمر الذي يمارسه البعض في حق من يخالفهم الرأي أو التوجه.
امتهن البعض عملية التنقيب عن منشورات قديمة للبحث عن آراء وتوجهات شخص قد تجاوزها واعتنق غيرها منذ زمن بعيد، لا لشيء سوى لإقصاء من يرى أنه مختلف عنه توجهًا ورأيًا.
عملية التنقيب المتزايدة عبر تويتر أو غيره من المنصات الاجتماعية تكشف عن نوع من التنمر يتخذ من حماية الدين، أو الوطنية أو المحافظة على العادات والتقاليد، مدخلاً لتبرير عملية التنقيب والتشهير بالمتغير في آرائه، أو الإبلاغ عنه في «كلنا أمن» وعن قناعاته السابقة التي تغيرت إلى غير رجعة. عندما ترى جهد البعض في التنقيبات تتعجب من كمية الهدر في الوقت والجهد لإثبات كذب خصمه، أو إثبات عدم تغير آرائه. وتحمد الله وتشكره أن الرحمة وقبول التوبة بيد رب العالمين، وإلا لكان المنقبون لنا بالمرصاد.
ربما واجهت يومًا خلال تفاعلك على منصات التواصل الاجتماعية من يغير رأيه وأفكاره السابقة ويعلن عنها. وربما واجهت حملات التنمر والهجوم على من يغير أفكاره وآراءه رغم تمسكه بها سابقًا.
وعلى الجانب الآخر ربما واجهت المتشبثين بآرائهم وقناعاتهم رغم فقرها وضحالتها، ورغم الأدلة التي تدحضها، فالتغيير ليس بالشيء السهل خصوصًا في مجال الأفكار والمعتقدات.
خليط الشخصيات التي نواجها كل يوم عند استهلاكنا لتوتير وفيسبوك وغيرها من منصات اجتماعية، تقوم على التفاعل والمناقشة، وبالتالي تتأثر وتؤثر وربما بقيت متشبثة دون تغيير.
التغير سنة كونية قد ينبثق منها الجمال والكمال، والنمو والنضج بعد المراجعة لأفكارنا ومشاعرنا، فالتغيير يهبنا التطور ويصقل أفكارنا بعد مراجعتها.
حالة تغيير الآراء بعد دخول السوشال ميديا لفتت المهتمين بالاتصال لعمل مسح على المجتمع الأمريكي ليخرج بنتائج غير متوقعة في بعض الجوانب.
التعرض لمحتوى وأفكار مختلفة على شبكات التواصل الاجتماعية لم يؤثر على غالبية الشعب الأمريكي، الذي احتفظ برأيه رغم الاختلافات في طرح وجهات النظر، بينما اكتفى 14% منهم بالتأثر بما يطرح في المجال العام والمناقشات والتفاعل مع الجمهور المتفاعل والمتباين في وجهات نظره وفكره، وتغيير آرائهم. ووفقًا لمركز بيو للأبحاث يميل الرجال أكثر من النساء إلى تغيير آرائهم بسبب السوشال ميديا، وخصوصًا من الفئة العمرية التي تقل عن 30 عامًا.
كما أوضح المسح الذي أجري عام 2018 أن للفروقات العرقية دورًا في اعتناق أفكار جديدة وتغيير آرائهم، فهناك واحد من بين كل خمسة من الأفارقة الأمريكان (19%) ومن الأمريكيين اللاتينيين (22%) يغير رأيه، مقارنة بالأمريكان البيض (11%)، كما كان للتوجه السياسي دور في سهولة تغيير وجهات النظر، حيث يميل الديمقراطيون إلى تبني وجهات نظر مغايرة بعد التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، خصوصًا الرجال الذين يخضعون بشكل أكبر للتأثير مقارنة بالنساء، وهذا ما يعارض الرأي المتوارث بخصوص سهولة التأثير على النساء وسرعة تغيير آرائهن وتوجهاتهن.
هذا الاستطلاع في حقيقته يؤكد أن التغيير سنة «الفيسبوكيون» و«التويتريون» مع تنامي دائرة النقاش والتفاعل، خصوصًا في المجال الاجتماعي والسياسي.